تابع المهتمون "محليا وخارجيا" خبر إطلاق السعودية شركة تطوير قطاع الألعاب والرياضات الإلكترونية، وهذه المتابعة تعكس بالطبع الاهتمام الكبير ببرامج رؤية 2030، التي يقودها ويشرف عليها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان التي تستهدف في خططها تنويع الاقتصاد والمنافسة في كل الأصعدة، ولا شك أن سوق الألعاب الإلكترونية قد نمت بشكل كبير خلال 2020 و2021 على وجه الخصوص نظر للإجراءات الاحترازية والإغلاقات. لكن الحراك والاهتمام الذي وجدته هذه السوق كان قد بدأ فعليا قبل الجائحة، فمع هذا الخبر تذكرت زيارتي لإحدى الجامعات الفنلندية التي تقدم برنامج ماجستير في تخصص الألعاب عموما وتخصص الألعاب الإلكترونية بشكل خاص.
وللحقيقة فقد كان هذا غريبا علي نوعا ما في ذلك الوقت، فالألعاب الإلكترونية، في اعتقادي حينها، أنها جزء من تعليم البرمجة والحاسب الآلي، ولذلك تساءلت كثيرا وتناقشت مع القائمين على البرنامج حول مكوناته، وتوصيفه، وزاد تعجبي عندما علمت أن البرنامج ليس محصورا في مهارات البرمجة، بل يتعداها إلى قضايا أخرى مثل التسويق والإدارة وإدارة المحتوى، كما أنه يشتمل على دراسة ألعاب الفيديو والوسائط المتعددة ونقد للألعاب. ولأنني كنت وما زلت أفهم أن أي تخصص في الماجستير بشكل خاص يجب ألا يتحول إلى منصة تدريب على المهارات، ذلك أن العلم ليس منشغلا بالمهارات بقدر انشغاله بحل المشكلات، لذلك كنت أشك في سلامة فكرة إنشاء تخصص ماجستير للألعاب الإلكترونية دون أن تكون هناك نظريات علمية تدرس، لكن ما وجدته حينها أن هذا التخصص يقوم على فلسفة ونظريات ومفاهيم في تصميم الألعاب وإنشاء المحتوى وعناصر مختلفة للتصميم الجرافيكي وعلوم الكمبيوتر وتكنولوجيا المعلومات. وهو ما أقنعني تماما بهذا التخصص، لكني لم أكن أتوقع أن يجد رواجا، خاصة أن الطلب على هذا التخصص يحتاج إلى سوق عمل فاعلة، لهذا توقفت في البحث حول هذا التخصص لهذه القناعة. لكن عندما تم إطلاق الشركة السعودية لتطوير قطاع الألعاب والرياضات الإلكترونية، وبرئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فإن هذا واقع جديد، يفرض على الجامعات والكليات المتخصصة النظر بجدية إلى هذه التخصصات الجديدة.
ونظرا إلى هذا التقدم المتسارع في هذا القطاع فقد أطلقت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات مبادرة GAME Mode لدعم قطاع الألعاب الإلكترونية في المملكة من خلال تحفيز تهيئة شبكات الاتصالات لتحسين جودة أداء تجربة مستخدمي الألعاب الإلكترونية وتقديم مبادرات نوعية تركز على تطوير هذا القطاع، ويشير عديد من التقارير إلى الاهتمام المتراكم بهذه السوق، فقد نجحت شركة OneMT الرائدة في هذا المجال في فتح استوديو لها في الرياض، وشركة Newzoo أطلقت منصة stcplay للألعاب الإلكترونية بهدف ربط مزودي الخدمات في مجال الألعاب مع اللاعبين، وهناك عديد من التقارير التي تسعى إلى تقديم صورة شاملة عن سوق الألعاب الإلكترونية، وتشير هذه التقارير إلى أن السعودية تحتل المرتبة رقم 19 بين أكبر أسواق الألعاب في العالم لعام 2021، وفي تقارير شركة "نيكو بارتنرز"، فإن السوق السعودية هي الأكبر في الشرق الأوسط ودول شمال إفريقيا، وقد حصدت المملكة 60.6 في المائة من الإيرادات مكنتها من اعتلاء المرتبة الأولى في هذه السوق، وبلغ نصيب السوق السعودية أكثر من مليار دولار في 2021 وهو الأعلى من بين دول المنطقة، وشركة "نيكو بارتنرز" متخصصة في هذا القطاع وهي منصة تتضمن دراسات شاملة للسوق وتوقعات مدتها خمسة أعوام مع بيانات أساسية عن ناشري الألعاب، وتصنيفات الألعاب، ومحركات النمو، والاتجاهات.
لكن رغم أن المملكة هي الأعلى في الإيرادات وهذا يتضمن أن المستهلك الأكبر لهذه الألعاب في المنطقة هي السوق السعودية، فإنها مع ذلك لم تكن السوق الرئيسة في إنتاج وتطوير هذه الألعاب، فقد كانت مصر هي الأكبر حجما من حيث الإنتاج وتسيطر على ما يقرب من 60 في المائة من هذه السوق. وبحسب تقرير "نيكو بارتنرز"، فإن عدد اللاعبين في السعودية والإمارات ومصر، قد يصل إلى 85.8 مليون في 2025 يدرون 3.1 مليار دولار، مضيفا أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعد إحدى مناطق النمو الرئيسة لصناعة الألعاب الإلكترونية، وهذا في مجمله يؤكد جدوى إطلاق الشركة السعودية تطوير قطاع الألعاب والرياضات الإلكترونية، وجدوى إطلاق برامج الدراسات العليا في تخصص الألعاب الإلكترونية، على أن يكون تخصصا مدمجا بين عدة كليات، من بينها كليات الأعمال، والحاسب الآلي. فالنمو القوي والمتوقع لهذا القطاع ودخول مسارات جديدة مثل الميتافيرس وغيرها من التحولات الرقمية سيعزز الطلب على المتخصصين في هذه المجالات الدقيقة، فلم يعد من المناسب أن تخرج الجامعات طلابا في تخصصات تتسم بالعمومية، بينما يبذل الطالب جهده في تطوير ذاته بعدما أمضى عمرا في الجامعة، بل من المناسب أن يكون متخرجا ذا تخصص دقيق ومتمكنا بشكل كبير من أدواته، كما يمكن أن تذهب الجامعات بعيدا نحو تطوير ابتكارات في هذا القطاع الثقافي الجديد.
نقلا عن الاقتصادية