الديون الأوروبية.. والقواعد البالية

30/12/2021 0
د. خالد رمضان عبد اللطيف

هل يمكن إعادة النظر في قواعد الاتحاد الأوروبي الحاكمة للديون الحكومية التي تراكمت بسبب تمويل الإنفاق خلال أزمة كورونا؟، رغم الانقسام الأوروبي، كالعادة، حول هذا الأمر، فإيطاليا وفرنسا على سبيل المثال يضغطان لتحرير اقتصاديهما من قيود التكتل الأوروبي، في ظل مقاومة مستميتة من دول الشمال، وبالنظر إلى أن الميثاق الأوروبي للاستقرار والنمو ورد في إطار معاهدة ماستريخت في 1992، أي قبل ربع قرن، فإن أي تعديلات الآن يجب أن تصادق عليها الدول الأعضاء.

سيظل الجدل حول قواعد الموازنة الأوروبية قائم، وستحدد نتيجته نطاق السياسة المالية للعقد المقبل، وربما توقعات النمو أيضاً، والحقيقة، أن الكثيرين في جنوب أوروبا، يعتقدون أنه لا ينبغي أبداً أن تكون هناك عودة للقواعد، إذ يتعين البدء بالإصلاحات الهيكلية، حيث يعتبر العجز الحكومي المرتفع المحرك الرئيسي للنمو، ومما لا شك فيه فإن البنك المركزي الأوروبي يواجه تعقيدات إضافية على عكس الاحتياطي الفيدرالي

الأمريكي أو بنك انجلترا، لأن البنك الأوروبي يتعين عليه وضع سياسات لدول مختلفة، لكل منها اقتصادها وسوق سنداتها.

تاريخياً، فقد صيغ ميثاق الاستقرار والنمو بعد اعتماد اليورو كعملة موحدة بطلب من الألمان، الذين سعوا إلى إيجاد وسيلة لفرض قيود الإنفاق على جيرانهم من دول الجنوب الأكثر إسرافاً، وكان سقف نسبة الديون من الناتج المحلي الإجمالي 60%، والعجز 3%، وكان من خالف هاتين القاعدتين تعرض للعقوبات والغرامات، إلا أن الحقائق الاقتصادية تغيرت، فهذه القواعد لم تضع في الحسبان قدرة الحكومات على الاقتراض بأسعار فائدة متدنية، وفي 2021، فعّلت المفوضية الأوروبية بنداً في الاتفاق يسمح للدول الأعضاء بالإنفاق دون قيود في ظل الجائحة، وينبغي الاتفاق الآن على قواعد جديدة بعد انتهاء مهلة التعليق في عام 2023.

والواقع، أن مشتريات البنك المركزي الأوروبي الضخمة من السندات الحكومية كجزء من جهود الإنقاذ، وفق فلسفة أن "كل يورو متاح" لمواجهة كورونا، جعلت الحكومات تعتمد بشكل مفرط على دعم البنك المركزي، إلا أنه يتعين بعد زوال الجائحة إفساح المجال أمام الاستثمارات لتعزيز النمو مما سيعجل

بتخفيض الديون.. صحيح أنه كان من الضروري سرعة الاستجابة للتداعيات الاقتصادية التي أفرزتها الجائحة، إلا أنه يجب إعادة الإنفاق إلى مستوياته الطبيعية حتى لا تغرق أوروبا في بحر الديون.

في كل الأحوال، لم يعد سقف الدين العام للاتحاد الأوروبي، والمحدد بنسبة 60% من الناتج المحلي الإجمالي، منطقياً، ولهذا، ينبغي تعديله عبر إصلاح القواعد المالية، وفي نهاية المطاف، فإن الزيادة الحالية للدين السيادي لا يمكن تركها للدول الأعضاء حتى تديرها بنفسها، نظراً لأن المشاكل المتعلقة بالسياسات الناتجة عنها تؤثر على كل الدول، ولذلك يجب التعامل معها بشكل جماعي، ومن غير المنطقي الاعتقاد بأن إعادة تمويل ديون الأزمة الرهيبة للجائحة يجب أن يخضع لانضباط السوق، لأن هذا يعني بكل بساطة معاقبة الحكومات على حماية مواطنيها.

يقيناً، فإن إيجاد طريقة لإدارة جبل الديون الأوروبية المتراكمة خلال الجائحة، يمكن أن يحقق الاستقرار لتوقعات النمو، ويخلق بيئة مواتية لاستثمار القطاع الخاص، وستؤسس وبشكل كاف لسوق كبيرة وعميقة وذات سيولة، وبالتالي فإن السماح لآلية الاستقرار الأوروبية بشراء جميع الديون المتعلقة بالأزمة من

حائزها، وهو البنك المركزي الأوروبي، يمكن أن يقدم حلاً دائماً وذو مصداقية قبل أن تصبح الديون السيادية إشكالية طويلة الأجل، وإذا كانت استجابة أوروبا للوباء أكثر توحيداً وفعالية مما كانت عليه في الأزمات السابقة، إلا أن الاختبار الحقيقي سيكون في كيفية إدارتها للانتعاش.

 

 

 

خاص_الفابيتا