حدود تأثير رسوم الأراضي في الأسعار

20/12/2021 1
د.صالح السلطان

قبل أيام قليلة أعلن بدء تطبيق المرحلة الثانية من برنامج رسوم الأراضي البيضاء، والتوسع في النطاق المستهدف لمدينة الرياض. والنقاش هنا في مستوى تأثير هذه الرسوم في الأسعار.

تأثير البرنامج معتدل لاعتبارات كثيرة. وخلاف ذلك، فإن الرسوم لا تعمل أو تؤثر وحدها. إذ هناك عوامل أخرى كثيرة تعمل في وقت واحد. عوامل ترفع الأسعار، وعوامل ذات تأثير عكسي. وعوامل تقلل تأثير العوامل السابقة. وعادة فإن العوامل الرافعة هي الأقوى مع مرور الأعوام، وفي المدن خاصة. وجهل أو تجاهل هذه الأمور يتسبب في سوء فهم التأثير.

علماء اقتصاد الضرائب في جامعات ومراكز البحوث المهتمة بدراسات المالية العامة والضرائب متفقون - من منطق عقلي وإثبات علمي وعملي - على أن ضرائب أو رسوم الأراضي البيضاء بحكم الغرامات تضغط تجاه خفض السعر الحالي. لكن مستوى التأثير يعتمد على اعتبارات، من جهة أخرى، فرض الرسوم لا يلغي تأثير العوامل المعاكسة في التأثير.

ولتسهيل الفهم، أضرب مثلا: لنفترض عدة أراض في حي، متماثلة سعرا، وسعر كل واحدة نقدا في السوق نصف مليون ريال. ولنفترض أن على بعض الأراضي رسوما مستحقة الدفع كل عام. ولنفترض أن من المحتمل في وقت ما أن يعفى عن الرسوم كلها أو بعضها، وهي بحكم الغرامات. ولنفترض أن الرسم السنوي على الأرض الواحدة 15 ألف ريال، أي: 3 في المائة من قيمة الأرض. السؤال التالي: كم سيدفع الراغب في الشراء مقابل الأرض التي عليها رسوم؟ هناك عدة احتمالات مؤثرة. وفي كل الأحوال سيكون سعر الأرض التي عليها رسم أقل من سعر الأرض التي ليس عليها. أقل بكم؟ هنا النقاش. ويساعدنا على الإجابة استخدام أدوات الاحتمال والتوقع في الإحصاء والرياضيات والاقتصاد.

من المؤثرات التضخم، أي: ارتفاع الأسعار ومنها أسعار الأراضي مع نمو الاقتصادات وتزايد كميات النقود وتوسع المدن مع مرور الأعوام. هذه حقيقة عالمية. مزيد توقع تضخم يعني مزيد تقليل لتأثير الرسوم. ومن الأسئلة: كم عدد الأعوام المتوقع بقاء الأرض كما هي، ومن ثم دفع رسوم كلها، أو بعضها خلالها؟ علام نبني هذه التوقعات؟ كم القيمة الحالية لدفعات غرامات متوقعة مستقبلا؟ والمثال التالي يسهل فهم الأمر. بيعت وحدات سكنية عليها قروض لصندوق التنمية العقارية، حسب طريقته القديمة، التي فيها طول انتظار، وإعفاءات وتساهل في مواعيد السداد. معروف أن المشترين دفعوا مقابل قرض الصندوق، لكن ما دفعوه تأثر بعوامل، وهو أقل مقارنة بما دفع في حالة قرض من غير الصندوق.

تأثير الرسوم في أطراف المدن أقل غالبا من تأثيرها في داخل المدن. لماذا؟ سيقارن مالك الأرض في أطراف المدن بين مصلحته في بيعها الآن، أو تأخير البيع كذا عام متوقعا ارتفاع الأسعار خلالها، بما يتجاوز كثيرا الرسوم. وعادة نسبة ارتفاع الأسعار في الأطراف مع مرور الوقت أعلى من نسبة الارتفاع داخل المدن. وأهم سبب توسع المدن.

الخلاصة: إن رسوم الأرضي حسب نظامها ولائحتها وتطبيقها تتسبب في خفض أسعار الأراضي. وهذا الخفض ليس بقوي لأسباب عدة، منها كون الرسوم غير شاملة ومعتدلة في نسبتها وطريقة التقييم فيها ومؤقتة تتوقف مثلا مع التطوير، الذي قد يكون حقيقيا وقد يتخذ صورا تعفي من الرسوم. وخلاف ذلك، كما سبق توضيحه، هناك عوامل ترفع الأسعار، بما يعاكس تأثير الرسوم.

نصت المادة الثانية من نظام الرسوم على أن النظام يهدف إلى الآتي:

1. زيادة المعروض من الأراضي المطورة بما يحقق التوازن بين العرض والطلب.

2. توفير الأراضي السكنية بأسعار مناسبة.

3. حماية المنافسة العادلة، ومكافحة الممارسات الاحتكارية.

ونصت المادة الرابعة من النظام على أن تحدد اللائحة المعايير التي يتوقف عند تحققها تطبيق الرسم. والإيقاف ليس بشرط أنه دائم، بل قد يكون في أوقات دون أوقات وأماكن دون أماكن.

هناك كم هائل من قطع الأراضي المعروضة للبيع أو في طريقها لملاك كثيرين ليست بينهم علاقة قرابة أو عمل. لكن جزء كبير منها غير صالح للسكن حاليا، بل يتطلب أعواما وأعواما ليصبح مناسبا.

توسعت مساحات مدن بلادنا توسعا كبيرا في العقود الأربعة الماضية. ومن أهم الأسباب أن هناك أراضي كثيرة ومتفاوتة المساحات داخل المدن، متروكة لأسباب كثيرة. وهناك أراض حكومية كثيرة وكبيرة داخل المدن لكنها غير مستغلة أصلا، أو أنها فوق حاجة الجهات الحكومية المقامة على تلك الأراضي. بعض المطارات والجامعات مثال واضح. مطارات وجامعات عالمية كثيرة يفوق عدد مستخدميها أو طلابها مستخدمي مطارات أو طلاب جامعات في بلادنا، ورغم ذلك مساحاتها أصغر بعدة مرات. وعودة إلى نظام الرسوم، يطرح البعض سؤالا عن تعريف أرض سكنية بأسعار مناسبة. لا جواب محدد، لوجود اعتبارات نسبية كثيرة. ومعروف أن أسعار الأراضي محليا وعالميا في ارتفاع مع الأعوام، والارتفاع في المدن الكبيرة أشد. وهناك سياسات تخفف من حدة الغلاء لكن في حكم المستحيل أن تقضي عليه. وكان هذا أهم سبب في قوة الطلب على النقل العام في مدن العالم الكبيرة خاصة.

توفير النقل العام داخل المدن الكبيرة وما جاورها يتيح لكثيرين ممن يعملون في هذه المدن، اختيار السكن في ضواحي وأطراف هذه المدن والمحافظات المجاورة لها. وهذا حاصل عبر عشرات الأعوام في كثير من مدن العالم. ولندن ونيويورك مثالان شهيران. وغلاء الأراضي والسكن أقوى سبب في هذا الحصول. ومعروف أن هيئات تطوير مدن بلادنا الكبيرة تعمل على توفير النقل العام. نسأله - سبحانه - التيسير والتوفيق.

 

 

نقلا عن الاقتصادية