يعد السكن من احتياجات البشر الأساسية. وحصول الناس على إسكان يتصف بحد أدنى من المعايير المقبولة يحقق مصالح عظمى للأفراد والمجتمعات، والمسكن ليس مجرد مأوى، بل يوفر وظائف وخدمات عديدة للمجتمعات، ويساعد على تسهيل التخطيط المالي للأفراد والأسر، بالنظر إلى ضخامة ما يخصص للسكن من الدخل الشخصي، ومن ثم لا عجب أن نرى تدخل الدول في قضية توفير المساكن للناس، وأن نرى الحكومات تتبنى سياسات تحفز على امتلاك المساكن، وكانت هذه القضايا محل اهتمام خطط التنمية، ثم "رؤية 2030".
لكن السكن في دول العالم بمختلف مستوياتها المادية والحضارية مكلف جدا مقارنة بدخول أغلبية الأسر والأفراد. ومن ثم يتوقع أن الإسكان يعاني فشل سوق بصورة جزئية. وهذا مبرر قوي لتدخل الحكومات بأشكال مختلفة، حتى لو انخفضت الأسعار عبر سياسات مختلفة، لكنها لن تنخفض بما يجعلها دون قدرة نسبة كبيرة من الناس. أما إذا ارتفعت التطلعات في مواصفات وأوصاف الإسكان اللائق فإن التكلفة العالية أصلا ستزيد حتما، مشكلة صعوبة ملكية المنازل وكونها خارج القدرة المالية لأكثرية العائلات، تبقى حتى مع وجود تمويل لمدة طويلة، مثلا 20 عاما، بأسعار فائدة منخفضة كثيرا، ذلك لأنه لا تتوافر لكثيرين دفعة مقدمة ذات اعتبار. وتبعا، يشكل القسط الشهري الذي يستمر أعواما طويلة عبئا ثقيلا على ميزانية أغلبية الناس. باختصار، غلاء العقار جعل ويجعل التملك مشكلة كبيرة لدى كثيرين حتى لو قبلوا بمساكن صغيرة.
اتخذت خطوات كبيرة تساعد على زيادة التملك، وما يسهل الوصول إليه. والمجال متاح لاتخاذ مزيد من الخطوات بما يساعد كثيرين على تحقيق الحد الأدنى من تطلعاتهم في التملك. وارتفعت نسبة التمويل العقاري من البنوك والمؤسسات التمويلية خلال الأعوام الأخيرة، وتبعا زادت أعباء القروض والأقساط. وصار كثيرون يدفعون نسبة عالية من رواتبهم لأقساط تملك مساكنهم. فهل من حلول مقترحة تخفف من نسبة تلك الأقساط إلى الرواتب؟ وأي حل يطرح، فإنه يبنى على أو يستلزم طرح مقترحات تساعد على زيادة حجم الدفعة المقدمة. هذه الزيادة تساعد على تخفيف حجم الأقساط.
في هذا المقال، أطرح مقترح إنشاء برنامج ادخاري سكني اختياري يساعد على تخفيف عبء تملك سكن. وهنا مزيد توضيح، يقوم المقترح على إنشاء صندوق ادخاري استثماري للإسكان. والهدف تحقيق ثلاث مصالح: التسهيل على أكثرية الناس تملك سكن يحقق الحد الأدنى من تطلعاتهم، والتخفيف عنهم في حجم وعبء أقساط هذا التملك، وزيادة حماية النظام المالي، ومن ثم واضح أن المقترح استراتيجية لتسهيل تحقيق هدف زيادة نسبة تملك المساكن على المدى البعيد، كيف؟
يقتطع بصورة اختيارية من الموظف الراغب في الاشتراك، يقتطع من راتبه سواء كان في القطاع العام أو الخاص نسبة صغيرة من راتبه لنقل مثلا 2 في المائة (أو قريبا منها أقل أو أكثر)، وصاحب العمل يسهم بما يساوي نصفها مثلا 1 في المائة، ويمكن أن يسهم القطاع العام عبر أكثر من مصدر، مثلا ربما عبر حساب المواطن أو عبر طرق أخرى متنوعة، كل طريق يسهم بنسبة مما يخص الدولة.
مثلا قد يدفع صندوق التنمية العقارية 1 في المائة (أو أقل أو أكثر) وقد ينشأ صندوق إسكاني ادخاري، تحت مظلة صندوق الاستثمارات العامة. بهذا تتكون للصندوق مصادر اشتراكات عدة تجمع في ثلاثة: المشترك وصاحب العمل وصندوق الإسكان الحكومي، الهدف في الأخير تحقيق ادخار شهري يساوي نحو 5 في المائة من الرواتب الشهرية للموظفين سواء في القطاع العام أو الخاص، ما الناتج؟ سيتجمع ادخار سنوي لا يقل تقديرا عن 50 مليار ريال، ويزيد مع الوقت بسبب توقع زيادة رواتب المشتركين وعددهم مع مرور الأعوام، ويلحظ أن الاقتطاع بسيط، فمن راتبه الشهري ستة آلاف سيقتطع منه نحو 150 ريالا، ومن صاحب العمل 50 ريالا وسيدعم بنحو 100 ريال.
يحق للمشترك في البرنامج بعد اشتراك لمدة لا تقل عن كذا عام تسلم مبلغ نقدي كبير، عند تملك سكن أو إذا أثبت أنه تملك سكنا. سيسهم هذا المبلغ مع مصادر التمويل الأخرى في مساعدة المشترك في تملك سكن أقرب إلى تطلعاته، من حالة عدم وجود الصندوق أصلا. أي أن البرنامج يخفف من عبء تملك سكن ومتطلباته المالية، ويخفف من حجم القسط البنكي، خلاف أنه يزيد من حماية النظام المالي. طبعا يمكن للصندوق الادخاري دعم الإسكان بطرق وسياسات أخرى. أي أن تطبيق فكرة الصندوق الادخاري السكني لا تمنع ولا تتعارض مع تطبيق أفكار أخرى لدعم أو تسهيل التمويل.
نقلا عن الاقتصادية
اقتراح جيد دكتور سالح يساهم في خل ازمة الاسكان . وفقك الله