كيف نقيس التأثير الاقتصادي للصين خلال العقود الأربعة الماضية، وما هي خطة بكين للصعود إلى قمة الهرم العالمي وإزاحة السيد الأمريكي؟، بداية يمكن القول بأنه اعتبارًا من عام 1980، كانت الصين القوة الأكثر نفوذًا في بلد واحد فقط، هي ألبانيا، ثم أصبحت بحلول عام 2000 الدولة الأكثر نفوذًا في عدد قليل من الدول المعزولة، مثل إيران وميانمار والسودان، وفي أوائل العقد الأول من القرن الحالي، تنامى النفوذ الصيني مع توسع اقتصادها فأصبحت القوة الرائدة في معظم القارة الأفريقية، وجنوب شرق آسيا.
يقيناً، فإن الدور الصيني المتعاظم في مركز التجارة العالمية منحها الجزء الأكبر من نفوذها خلال السنوات الأخيرة، ويبدو أن هناك ثمة مجال للنمو الصيني أيضاً في المجال الأمني، لا سيَّما من خلال مبيعات الأسلحة، كما أن تحول أمريكا، وبخاصة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب صوب الحمائية جعلها أقل تنافسية من الصين، فقد انسحبت واشنطن من اتفاقيات التجارة الإقليمية الكبيرة، وقد رجح هذا من كفة الصين، وبالرغم من ذلك، لا تزال الولايات المتحدة القوة الأكثر نفوذًا في حوالي 50 دولة، مقابل 34 دولة يتفوق فيها النفوذ الصيني، من بينها جميع دول أمريكا اللاتينية تقريبًا، بالإضافة إلى الدول ذات الثقل الاقتصادي الكبير، مثل الهند واليابان وأستراليا.
تحول الصعود الصيني إلى مصدر قلق لدى صناع القرار في الولايات المتحدة، فثمة حديث متزايد عن "الخطر الصيني"، الأمر الذي يعيد التذكير بحديث رونالد ريجان سابقاً عن "إمبراطورية الشر"، في الإشارة إلى الاتحاد السوفيتي والدول التي تدور في فلكه، ولهذا، تبذل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن جهودًا مضنية لتمتين جسور التواصل مع دول جنوب شرق آسيا؛ من بينها إندونيسيا وماليزيا وتايلاند وفيتنام، واللافت، أن الصين تلعب على تعزيز استراتيجية النفوذ فيما بعد كورونا، إذ وجهت أنظارها للعالم الخارجي، فأرسلت طائرات إغاثة ومساعدات طبية للشرق والغرب، في استغلال واضح للقوة الناعمة، والقدرات التصنيعية الكبيرة في محاولة لكسب معركة النفوذ، ووضع أسس تعاون اقتصادي مستقبلي.
والواقع، أن التنين الصيني منذ سنوات وهو يبني كل سياساته ورؤاه الاستراتيجية على مبادرة الحزام والطريق، التي تمثل حجر الزاوية في خططه الاقتصادية المستقبلية، ونظرًا لأهمية أوروبا في مشروع الصين الجديد، فقد بدأت بكين في كسب ود الأوروبيين وتوثيق العلاقات معهم، بهدف إبعادهم عن حليفهم التاريخي، الولايات المتحدة، وقد مكن هذا التحرك التكتيكي بالتزامن مع دبلوماسية الإمدادات الطبية، مكن بكين من كسب عقول الأوروبيين، ووضع أسس لعلاقات اقتصادية متينة بعد انقشاع الأزمة، وبصفة عامة، يتميز هذا النمط من الدبلوماسية ذات البعد الجيوسياسي، بالتركيز على توفير الموارد الهامة في أوقات الأزمات، وهذا الأمر يعد محوريًا في تحسين صورة الصين في القارة العجوز.
ولأن الولايات المتحدة لا تقدم منذ سنوات استجابة دولية مقنعة للعالم، بينما الاتحاد الأوروبي، المنقسم على نفسه، مشغولاً بمشاكله الداخلية الرهيبة، فقد انتهزت الحكومة الصينية هذه الفرصة الفريدة لسد الفجوة الدولية الهائلة، وتقديم نفسها في صورة المنقذً، ومن المرجح أن تحقق استراتيجية المساعدات الصينية السخية إلى دول محورية في أوروبا وآسيا وأفريقيا، نتائج جيدة، إلا أن بعض الدول التي تلقت مساعدات ستظل قلقة من سلوك الصين على المدى الطويل.
تحتاج الصين، أكبر "مجتمع مسن" في العالم، إلى مزيد من القوى العاملة حتى تحافظ على وتيرة نموها الاقتصادي السريع وبخاصة لكي تتفوق على الولايات المتحدة، والمشكلة بالنسبة للصين تكمن في ارتفاع نسبة المسنين ستؤدي إلى انكماش الشريحة القادرة على الإنتاج، بمعنى آخر، يواجه الاقتصاد الصيني عددا من الأعباء نتيجة ارتفاع عدد كبار السن الأقل إنتاجية، الذين يمثلون ضغطا على النظام الصحي وصناديق التقاعد، في حين ما زالت الصين تكافح لتحسين نظام الرعاية الصحية ونظم التقاعد، وربما يكون ارتفاع نسبة كبار السن سبباً رئيساً لفشل الصين في التفوق على الولايات المتحدة كقوة عظمى وأكبر اقتصاد عالمي بحلول 2050.
خاص_ألفابيتا