رصد موضوعي لعوامل انهيار وتصفية شركة الخضري

25/11/2021 1
سعيد معيض

يوم الخميس 4 نوفمبر الجاري أعلنت شركة الخضري عبر موقع تداول عن صدور حكم من دائرة الاستئناف الخامسة بالمحكمة التجارية بالرياض ؛ والذي يقضي بتأييد قرار إنهاء إجراء إعادة التنظيم المالي وافتتاح إجراء التصفية.

وبناء على هذا الاعلان , أصدرت هيئة السوق المالية، قرارها المتضمن إلغاء إدراج الأوراق المالية لشركة أبناء عبدالله عبدالمحسن الخضري في السوق المالية السعودية "تداول".

في هذا التقرير نحاول ان نستعرض اسباب هذه التصفية لشركة مقاولات عامة مدرجة في السوق السعودي , بشكل موضوعي , وبعيدا عن ما يشاع ويقال عن فساد في الشركة أو سوء إدارة , رغم أن ذلك أحد الاحتمالات , لكن مثل هذه التهم محلها القضاء والجهات الرقابية ذات العلاقة , ومن منطلق القاعدة الشرعية " المتهم برئ حتى تثبت إدانته" وباستثناء فرض هيئة السوق المالية غرامة مالية بمقدار 100 ألف ريال على كل عضو في مجلس ادارة الخضري السابق عندما تم ايقاف الشركة عن التداول بسبب تعطيل اعلان النتائج المالية , فلم يصدر حتى الان أي ادانة رسمية للمجلس السابق.

بالعودة إلى اعلانات الشركة عبر موقع تداول , وعبر المنصات الاعلامية الأخرى, وبنظرة على وضع قطاع المقاولات في تلك الفترة, يمكن أن نلخص اسباب انهيار الشركة وتصفيتها إلى أربعة اسباب موضوعية , وفي مقدمة هذه الأسباب التحديات التي واجهت قطاع المقاولات , يليه دور مجلس الادارة السابق ,ثم دور مساهمي الشركة في تلك الفترة, وأخيرا دور المجلس الأخير للشركة.

تحديات قطاع المقاولات

في نظري أن أهم عامل أدى إلى تصفية شركة الخضري وبنسبة كبيرة , هو التحديات الكبيرة التي واجهها قطاع المقاولات خصوصا بعد التراجع الحاد لأسعار النفط بداية من منتصف عام 2014واستمر هذا التراجع لسنوات مما ادى الى تراجع الانفاق الحكومي والخاص, اضافة الى ذلك نجد أن القطاع واجه تحديات كبيرة أدت الى افلاس العديد من الشركات أو تراجع أعمالها في المملكة, وبحسب لقاء مع رئيس لجنة المقاولات بغرفة الرياض المهندس صالح الهبدان لصحيفة مكة في 8 اكتوبر 2017 فإن أبرز هذه التحديات التي واجهتها شركات المقاولات في تلك الفترة هو صعوبة الحصول على تمويل , وعدم وجود مقاولين مؤهلين من الباطن , إلى جانب مشاكل رسوم العمالة والاستقدام , وانكماش حصة المشاريع الحكومية والخاصة في تلك الفترة.

وفي لقاء مع رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للمقاولات المهندس أسامة العفالق لعكاظ في 19 فبراير 2018 اشار العفالق أن تقديرات وزارة العمل والتنمية الاجتماعية تشير إلى أن حوالي 90% من شركات المقاولات متعثرة (متأخرة في سداد الالتزامات المالية)؛ الأمر الذي ينعكس على تأخر تنفيذ المشاريع وتعثرها أيضاً , وأوضح أن بعض شركات المقاولات وصلت لمرحلة التصفية، كما توجد شركات بحاجة إلى الدعم لتجاوز أوضاعها الصعبة -على حد وصفه-. وقال العفالق: «أسباب التعثر مرتبطة بسوء التنظيم الداخلي؛ ما يتطلب إعادة الهيكلة، إضافة لوجود عوامل خارجية مثل تأخر صرف المستحقات أو الدخول في مشاريع بها بعض المشكلات , وأضاف أن حجم الإنتاجية لدى شركات المقاولات تراجع خلال عام بنحو 70%. "انتهى"

كل هذه العوامل وغيرها ألقت بظلالها على شركات المقاولات , وربما كون شركة الخضري مدرجة في السوق السعودي من قطاع المقاولات فقد سلط الضوء عليها في وسائل الاعلام, ومن المتداولين في السوق اكثر من غيرها من الشركات ,واجمالا فالمشكلة عمت معظم شركات المقاولات في تلك الفترة لكن كونها خارج السوق فلم تحظى هذه الشركات بالاهتمام الاعلامي المناسب كما حظيت به شركة الخضري.

مجلس الادارة السابق

بالإضافة الى التحديات التي واجهت شركات قطاع المقاولات وشركة الخضري من ضمنها , إلا أننا نرى أن هناك عوامل وأسباب اخرى أدت الى تفاقم الوضع بالنسبة للشركة , وحرم الشركة من مميزات الادراج في السوق السعودي , واتساع دائرة ملاك الشركة , فبالإضافة الى تحديات قطاع المقاولات في تلك الفترة , فمما يمكن أخذه على مجلس الادارة السابق افتقاده الى روح المبادرة والابتكار في ايجاد الحلول , والتضحية في سبيل بقاء الشركة وانقاذها , والحفاظ على سمعتها كشركة ذات تاريخ طويل يمتد لأكثر من 50 عاما , ومن هذه الملاحظات على المجلس السابق ما قام به ملاكها الاساسيين من التخلص من ملكيتهم في الشركة مما ادى الى فقده السيطرة على الشركة وعلى قراراتها , حيث كانت ملكيتهم تزيد عن 50% , وخلال فترة وجيزة تم بيع ملكيتهم كلها , ورغم ان هذا الاجراء نظامي , والتخلص من حيازتهم معلن في حينه إلا أن هذا الاجراء اعطى انطباعا سلبيا للغاية عن الشركة لدى المستثمرين وابتعادهم عنها, مما ادى الى هبوط قيمة السهم من مستويات عالية الى ما دون 10 ريال , كما ادى الى ابتعاد المستثمرين من التملك في الشركة, ولم يبقى الا صغار الملاك والمضاربين المتنقلين بين الاسهم باستمرار, وهذا ما افقد مجلس الادارة السيطرة على الشركة في الجمعيات , واعتماد الخطط والتوصيات التي تنهض بالشركة كحال الشركات التي بها كبار الملاك.

علاوة على ذلك فإن كون الشركة عائلية , ولازالت تحمل اسم العائلة في تداول , فقد كان من الاجدر ادبيا ومعنويا على مجلس الادارة المحافظة على نسبة تملك معتبرة في الشركة لقيادة الشركة وطمأنة ملاكها والحفاظ على سمعتها من خلال العمل على تطويرها وتجاوز كبوتها , حتى لو اضطروا الى بعض التضحية في

سبيل ذلك , ومن جهة أخرى فإن وجود علاقة ومصالح متداخلة بين شركة الخضري المدرجة مع شركات الخضري الاخرى ووجود مديونيات على شركة الخضري لصالح عدد من شركات الخضري الاخرى خارج التداول ,فإن من صالح مجلس الادارة بقائها واستمرارها.

وعلى صعيد التصريحات الاعلامية فقد اعطى رئيس مجلس الادارة السابق في تصريحات اعلامية انطباع بأن وضع الشركة مطمئن مما ساهم في دخول العديد من الاشخاص على وقع هذه التصريحات.

دور مساهمي الشركة

في ظل اوضاع الشركة المتدهورة , وبعد توصية مجلس الادارة بزيادة رأس مال الشركة من 557.81 مليون ريال إلى 1015.81 مليون ريال (+82%) عن طريق تحويل الديون , وبعد موافقة جميع الجهات ذات العلاقة مثل هيئة السوق المالية وغيرها , ولم يتبقى الا موافقة الجمعية غير العادية على التوصية عقدت الجمعية غير العادية للشركة بتاريخ 28/11/2018 اجتماعها الثالث بعد تعذر عقد الاجتماع الاول والثاني لعدم اكتمال النصاب من اجل التصويت على زيادة رأس المال , وكانت المفاجأة غير السارة أن نتائج التصويت كانت بالرفض ,في وقت حرج بالنسبة للشركة ,ودون وجود أي بديل عملي لحل مشكلة تعثر الشركة وتخفيض مديونيتها , وكان وقت عقد الجمعية بعد بلوغ خسائرها 48.9% أي انها قريبة جدا من ال 50% التي تستدعي اتخاذ اجراءات عاجلة لمعالجة خسائر الشركة حسب نظام الشركات ذات الخسائر المتراكمة الجديد.

هذا التصويت دق اول مسمار في نعش الشركة , فنظام زيادة رأس المال للشركات اسهم في استدامة عشرات الشركات وعدل من اوضاع كثير منها واعادتها الى المسار الصحيح , وان كان هناك تحفظ فكان بالإمكان التدقيق فيه بعد اتمام زيادة رأس المال وزوال الخطر نظرا لأن الشركة تمر بمرحلة حرجة , ووضعها الائتماني سيء جدا , وبالفعل اعلنت الشركة بعد فترة بلوغ خسائرها 198% ثم بعد ذلك اوقفت الشركة عن التداول لعدم اعلان نتائجها , ولم تستطع الشركة اعلان النتائج حتى اعلان تصفيتها.

دور المجلس الجديد للشركة

بعد ايقاف الشركة عن التداول بسبب عدم تمكنها من اعلان نتائجها عقد اكثر من اجتماع لجمعيتها العمومية تم خلالها استبعاد أعضاء مجلس الادارة السابق بالكامل وانتخاب أعضاء جدد لمجلس الادارة , لكن بعد حوالي 9 أشهر عقدت جمعية اخرى تم استبعاد مجلس الادارة الجديد وانتخاب مجلس ادارة اخر بحجة عدم تصحيح أوضاع الشركة واعادتها للتداول, وحقيقة أن استمرار الخلافات بين المساهمين كان عامل مهم في التعجيل بانقضاء الشركة , ففي الوقت الذي كان جميع ملاك الشركة بحاجة إلى اجتماع الكلمة وعدم التنازع فيما بينهم لاسيما ان الوقت يمضي في غير صالحهم , ظهرت الخلافات , إلى أن تم وضع خطة للشركة من قبل مجلس الادارة الأخير للدائنين بتحويل جميع الديون الى اسهم , مع علاوة اصدار بمقدار 3 ريال لكل سهم باستثناء اسهم

الموظفين , وقد رفض الدائنون هذه الخطة , حيث كان الاحرى بمجلس الادارة التفاوض مسبقا مع الدائنين لأخذ موافقتهم أو موافقة معظمهم , قبل عرض الخطة على المحكمة وتعديلها وفقا لملاحظاتهم , كما ان علاوة اصدار لشركة خاسرة غير منطقي ومن الطبيعي ان يقوم الملاك برفضه.

هذه كانت ابرز الملاحظات التي تم رصدها , وأدت في النهاية إلى تصفيتها وشطبها من واقع اعلانات الشركة , وتتبع وضع قطاع المقاولات الذي تنتمي له الشركة , ولا يفوتني هنا الاشادة بدور هيئة السوق المالية في الوقوف مع الشركة لتخطي أزمتها , من خلال الانظمة والقوانين التي اعتمدت منذ عام 2017 في تصحيح أوضاع الشركات الخاسرة من خلال اتاحة المجال لهذه الشركات في تخفيض وزيادة رأس مالها بالشكل الذي يؤدي الى انخفاض الخسائر الى ما دون 50%, وجعل الكلمة الاخيرة لمجلس ادارة الشركات ومساهميها في اتخاذ القرار مما ساهم في انقاذ الكثير من الشركات واستدامتها. 

 

خاص_الفابيتا