أحد أوجه التحدي أن الانبعاثات لا تعترف بالحدود، ولذلك تفكر أوروبا في فرض ضريبة على عدم الامتثال لمن يتاجر معها بما يتضمن ذلك من حرب تجارية وخلافات في القياس، وبالتالي قانونية وسياسية بين الدول الأوروبية والآخرين. أيضا من التناقضات التي لا تتناسب مع تحول سلس بيئيا وأن أغلب مصادر الطاقة المتجددة تعتمد على معادن قليلة مركزة حتى أكثر من النفط والغاز، وبالتالي ترتفع المخاطر السياسية، كما أن التعدين ملوث مؤثر للبيئة. أيضا من التناقضات أن رفع التكاليف على الشركات يحد من قدراتها التنافسية، خاصة أن العالم يمر بحقبة حمائية تجاريا، وكذلك انخفاض إنتاج تكلفة مصادر الطاقة المتجددة لا يعني إخراج الطاقة التقليدية من السوق، بل ربما يؤكد أن العالم يحتاج إلى عدة مصادر كمرحلة تحولية تستغرق عقودا. التحولات التاريخية مكلفة وتحتاج إلى تجارب علمية واقتصادية، بعضها يفشل وبعضها ينجح أحيانا بسبب قبول أو رفض المستهلك.
هناك حاجة إلى رفع الاستثمارات عالميا إلى نحو أربعة تريليونات دولار سنويا لأعوام مقبلة في ظل تشوهات مؤثرة في الأسواق العالمية للطاقة، فمثلا تقدر "أوبك" أن العالم يحتاج إلى استثمار 11.8 تريليون دولار في النفط والغاز حتى 2045. الصراع النفطي اليوم بين الطلب المتنامي الذي في طريقه إلى التعافي من تبعات النمو الاقتصادي بسبب أزمة كورونا والعرض الذي يعاني نقص الاستثمارات. فقد بلغت استثمارات الاستكشاف والإنتاج نحو 350 مليار دولار كأدنى مستوى منذ 15 عاما، طبقا لوود مكنزي، إلا أنه يبدو أن هناك عودة متواضعة، فمثلا أعلنت شركة شيفرون رفع الاستثمارات الرأسمالية بنحو 20 في المائة إلى 15 مليار دولار.
إن أحد الشواهد العالمية تمخض في دور "أوبك +"، في إنقاذ سوق النفط على إثر أعلى انخفاض في الطلب على النفط منذ الحرب العالمية الثانية، وهنا برز الدور المحوري للمملكة ممثلة في وزير الطاقة ودوره القيادي في التوصل إلى اتفاق تاريخي بدأ العالم النفطي يقدر فاعليته ويرفع الثقة بدور المملكة في إدارة ملف الطاقة عالميا على الرغم من التناقضات العالمية، إلى أن وصلنا لمبادرة ولي العهد الخضراء وتحديد 2060 كهدف للتعادل الصفري للكربون من خلال برنامج منتظم ومحدد بأهداف مرحلية ومبالغ استثمارية.
مبادرة المملكة جاءت واقعية وفي توقيت استراتيجي يخدم قطاع الطاقة والاستحقاقات الدولية والتحولات التقنية والاقتصادية. استراتيجيا ما يهم المملكة استقرار الدخل بتعظيم المنفعة من النفط والغاز لحين التحول الاقتصادي المنشود، كما رسمت له الرؤية وبرامجها ومبادراتها المتعددة. تحاول أسعار النفط التعويض عن الانخفاض الحاد في الأعوام الستة الماضية، خاصة أن الأسعار لم تتماش مع مستوى التضخم حتى عند مستوى 100 دولار للبرميل إذا أخذنا متوسط أسعار 80 /81 كنقطة مرجعية للأسعار ومستوى التضخم على مدى العقود الأربعة الماضية.
مرحليا، هناك فرص استثمارية من برامج واستثمارات المبادرة الخضراء والطاقة المتجددة، فمثلا أعلن توجه المملكة لصناعة السيارات الكهربائية، والتي أقل تعقيدا من السيارات التقليدية، ولكن الفرص لا تقف على التصنيع فقط على الرغم من دوره المركزي، إذ إننا بصدد تكوين منظومة جديده قد تكون فرصة للشركات الوطنية لقيادة المنطقة، كذلك هناك فرص متنوعة في الطاقة في التشجير ونواح كثيرة. في الأسبوع المقبل نناقش نتائج مؤتمر "جلاسكو COP26" وتبعاته على مشهد الطاقة، خاصة النفطي.
نقلا عن الاقتصادية