قبل سبعة عقود، والسلطات الصينية تسعى للقضاء على الفقر المتفشي، وندرة التعليم، والتخلف الاقتصادي، وحل معضلة التغذية لحوالي خمس سكان العالم، بالإضافة إلى التحصن من الغزو الخارجي الذي أدى خلال قرن كامل إلى ترسيخ حالة "الذل"، كما يصفها الصينيون، حيث شهدت البلاد تدخلات خارجية، واحتلالًا يابانيًّا لمدة 14 عامًا أسفر عن مقتل نحو 35 مليون صيني.
لم يكن تحديث الصين ونقلها لمصاف ثاني أكبر اقتصاد عالمي أمراً سهلاً، فعلى سبيل المثال، شهدت المرحلة الأولى لتأسيس الجمهورية، التي انتهت بوفاة ماو تسي تونج عام 1976، مشروعًا طموحًا لنقل الصين نقلة نوعية في مجال التصنيع، عُرفت باسم «القفزة العظيمة إلى الأمام»، وبين عامي 1958-1962، ضربت الصين مجاعة أدت لوفاة نحو 45 مليون صيني، حسب تقديرات مختلفة، برغم تحصين الصين من الغزو الخارجي، وامتلاكها للقنبلة النووية عام 1964 في مشروع دام 10 سنوات، والمؤسف أنها نفسها سنوات المجاعة العظيمة.
لم تخلُ السنين اللاحقة من معدلات نمو كبيرة، وتنمية واسعة على مختلف المستويات، إلا أنَّ ذلك لم يخلُ من اختلالات اقتصادية حرمت جزءًا من السكان من قطف ثمار التنمية والصعود، وتركتهم في حالة من الفقر المدقع، ورغم أنه لا أحد يجادل بأن النمو مفيد، إلا أن السؤال هو: كيف أنقذت الصين الفقراء؟، ومن يستفيد من النمو؟، وهل يمكن أن يدفع جزء من الناس ثمن النمو الذي ساهموا فيه دون أن يستفيدوا؟.
وضعت الصين خطتها لإنهاء الفقر المدقع في عام 2015، تنتهي خلال خمس سنوات فقط، حيث بدأت الصين بتوجيه مواردها لضمان تنفيذ الحملة قبل بدئها الرسمي عام 2015؛ فأجرت أبحاث ودراسات استلزمت عمل ملايين الكوادر من الحزب الشيوعي الصيني، لتحديد من تنطبق عليه معايير الحملة تحضيرًا للبدء في تطبيقها، وقد ابتدأت المرحلة الأولى من التحضير للحملة بنحو 800 ألف كادر من الحزب الشيوعي الصيني والذين زاروا كل بيت في البلاد، وقاموا بمسح شامل لتحديد من تنطبق عليهم المعايير، وبالفعل تم تحديد حوالي 90 مليون صيني تنطبق عليهم المعايير، يشكلون 24 مليون عائلة ويقطنون 128 ألف قرية، ثم بدأت المرحلة الثانية بمشاركة مليوني كادر من الحزب الحاكم لتأكيد البيانات أو تعديلها، وحذف الحالات غير المطابقة للمعايير، وإضافة حالات أخرى.
كان معيار الدخل رئيسيًّا في تحديد الفئة المستهدفة خلال مراحل التحضير، لكن أمورًا أخرى أُخذت بعين الاعتبار، مثل مستوى التعليم والخدمات الصحية، وحالة المنازل، فقد كان الهدف من الحملة تحديد من لم يكسب من حالة التنمية وإلحاقهم بمسيرة التحديث، بل إن بعض هؤلاء كان يعيش في كهوف أو قرى لا يمكن الوصول إليها بطرق المواصلات الحديثة، ورأت القيادة الصينية أهمية القيام بمسؤولية الدولة والمجتمع تجاههم.
اختارت الصين 3 ملايين كادر للبدء بتطبيق الخطة، وشكَّل هؤلاء أكثر من 250 ألف فريق توزعوا للعمل في مناطق الفقر الشديد، ليتركوا حياتهم اليومية ويسكنوا هذه المناطق حتى إتمام العمل فيها، ولم ير بعضهم عائلاتهم لمدد طويلة، وفقد بعضهم حياته خلال المهمة، وعُيِّن لكل منزل انطبقت عليه المعايير أحد كوادر الحزب ليصبح مسؤولًا عن المنزل واحتياجاته، ويراقبها عن قرب ويتواصل بشكل دائم مع أهله ويتجاوب مع مطالبهم ومشكلاتهم، بمساعدة كوادر الحزب في تلك المناطق، بهدف بناء الثقة مع الأهالي بدلًا من تطبيق سياسات من أعلى فحسب.
لم تقتصر قدرة الحشد الصينية على كوادر الحزب فقط، بل إن البلد بأكملها عملت على إتمام المهمة؛ إذ عمل الصينيون بفلسفة انتشال الفقراء لأنفسهم من حالة الفقر، ورفع المجتمع بأكمله لهم، عن طريق حشد الطاقات ونقلها من الأغنى إلى الأفقر ضمن تخطيط وإدارة الدولة، فجرى توجيه وإجبار المناطق الأغنى المتركزة في الشرق الساحلي والشركات الصينية الضخمة على الاستثمار في المناطق الأفقر.
ونتيجة لذلك، جرى تحويل ما يعادل 15 مليار دولار من المقاطعات الشرقية الأغنى للمناطق الفقيرة في الصين، ونقل 22 ألف مشروع اقتصادي تعادل قيمتها 170 مليار دولار، إلى المناطق الأفقر، وضمن هذه العملية جرى تفكيك العديد من المصانع ونقلها إلى المناطق الأفقر، وتبادل 130 ألف عامل وتقني مدربين تدريبًا عاليًا أماكنهم مع نظرائهم من العمال غير الماهرين في المناطق الأفقر، بهدف نقل الخبرات والمعارف.
استخدمت هذه الاستثمارات لبناء مشروعات إسكان جديدة محل المنازل القديمة الأقل صلاحية للسكن، وبناء طرق المواصلات والنقل، وتأسيس قاعدة إنتاجية في المناطق الأفقر، وتمكين سكان تلك المناطق من الانخراط في الإنتاج والعمل وإجادته، ليساهموا في رفع أنفسهم من حالة الفقر، وربطهم بالاقتصاد الصيني بالمجمل، كي يصبحوا عاملًا في دفع الاقتصاد الصيني وعجلة إنتاجه.
في عام 2020، أتمت البلاد إنجازًا فريداً في القضاء على الفقر المدقع، وحققت إنجازًا آخر تمثل في رفع أكبر عدد ممكن من المواطنين عن خط الفقر إجمالًا، ويعني ذلك أن ملايين من البشر شهدوا تحسنًا حقيقيًّا في حياتهم خلال فترة قليلة من الزمن، ولكن علينا أن نتذكر أن هذا الأمر تم بتكلفة قياسية لا تقل عن 700 مليار دولار قدمتها السلطات في شكل منح وديون، عدا التبرعات والاستثمارات ونقل الموظفين والخبرات.
خاص_الفابيتا
مع ان الصين تحكم من قبل الحزب الشيوعي ووتتمسك بالشيوعيه بنسختها المتشدده حسب النظريه الا انها بالاقتصاد تدير البلاد بالنظريه الرأسماليه !!...ونقلها لاكثر من 500 مليون صيني من الطبقه الفقيره الى الطبقه المتوسطه يثير العجب ...
بعدد السكان، الصين أكبر منا بحوالي 40 مرة!! تخيل حجم التحديات التي كانت ستواجهنا لو لدينا هذا القدر من السكان!!
ولها جانب ايجابي افاد العالم وتخيل ان الصين الان هي الصين قبل خمسين سنه فكيف سيكون وضع العالم في ظل هيمنة الغرب على التصنيع انذاك وكيف ستكون الاسعار والندره .