من الخطأ الجسيم القول بأن إنتاج الغذاء العالمي لا يكفي لإطعام كافة البشر، لأن 14% من الأغذية تعتبر في حكم المفقودة، أما المهدرة فتلامس 17%، مما ترك 811 مليون نسمة يعانون الجوع، والعدد على الجرار، وهو مرشح للزيادة ما لم تزدهر برامج الحماية الاجتماعية، ويضع برامج البنك الدولي لمكافحة الفقر على فوهة بركان، ونعتقد أن هذا الأمر يطرح سؤالاً عريضاً حول سوء إدارة العالم للموارد الغذائية.
رغم أن القضاء على آفة الجوع تتطلب، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة توفير حوالي 50 مليار دولار، إلا أن هذه المبالغ تبدو متواضعة مقارنة بقيمة الناتج الإجمالي للعالم، البالغ نحو 84.8 تريليون دولار، الأمر الذي تطلب تعاوناً دولياً طموحاً وشفافاً، ولابد أن ننتبه إلى إلى أن زيادة أسعار الغذاء الراهنة تنذر بتكرار أزمة الغذاء في عام 2006، خاصة وأنها تتزامن مع أزمة الطاقة الراهنة في أوروبا وأمريكا وآسيا.
إذا استمر ارتفاع أسعار النفط حتى الوصول إلى مستوى 100 دولار، وهو السيناريو الأرجح، فسينعكس
ذلك على سلاسل إمدادات الغذاء؛ وهنا، ستكون الدول النامية، المعتمدة على استيراد الأغذية في مأزق حقيقي، فقد ارتفعت أسعار الشحن بنحو 4 إلى 5 أضعاف مقارنة بما كانت عليه قبل الجائحة، وعلى سبيل المثال، فإن الحاوية فئة 40 قدم يتجاوز شحنها الآن أكثر من 10 آلاف دولار، ارتفاعاً من نحو ألفي دولار فقط في 2019، وهذا الأمر سيضرب أدوات تأمين الغذاء والمخزونات الاستراتيجية في مقتل.
في المقابل، تعاني الدول العربية عجزاً في الميزان التجاري الزراعي؛ فالصادرات الزراعية العربية تبلغ 29.8 مليار دولار، بينما تتخطى الواردات الزراعية 91.9 مليار دولار، وبالتالي يصل عجز بالميزان التجاري الزراعي إلى 62.3 مليار دولار، فيما تقدر الفجوة الغذائية في العالم العربي بنحو 33.6 مليار دولار، والمفارقة العجيبة أن دولة مثل السودان، سلة غذاء العرب كما يقال، تستورد بعض المواد الأساسية كالقمح والدقيق.
تبدو آفاق الأزمة أخف في أمريكا وأوروبا والدول الغنية بالنفط بسبب الدعم المقدم للقطاع الزراعي، ونظم الحماية الاجتماعية، فهذه الدول قادرة على تأمين
احتياجاتها من الغذاء، ومع ذلك سترتفع تكلفة الإنتاج الزراعي، وستزيد معدلات التضخم، وقد تسهم المصالح العالمية المشتركة في تخفيف حدة التكاليف، عبر خفض تعريفة الشحن، بتوفير عدد أكبر من الحاويات والسفن الناقلة، ليؤدي ذلك في النهاية إلى نقل الغذاء بأسعار أقل، ونعتقد أن نظام التعاونيات أو أسلوب الشراء الجماعي للمنتجات الغذائية يمكن أن يسهم بقوة في مواجهة أزمة المستهلكين في الدول الأقل نمواً، عبر تخفيض فاتورة الشراء الباهظة.
خاص_ألفابيتا