ما يحرك غالبية الباحثين عن توظيف مدخراتهم إغراءات العروض التي تقدم لهم حول فرص للاستثمار تحقق عوائد جيدة وكلَّما كان رقم العائد مرتفعاً فإنه يكون جاذبًا أكثر بكل تأكيد وإذا نحينا العروض التي تقدم من مؤسسات أو شركات مالية مرخصة وتخضع لرقابة جهات رسمية فإن العروض التي لا يوجد لها مرجعية اعتبارية مرخصة أو تكون قادمة من الخارج حيث نكثر الاتصالات من دول عديدة سوء بالهاتف أو عبر الإيميل إلا أن أغلبها يركز على أن الربح مضمون ولا يتطرقون لأي مخاطر ويقدمون نسب ربح حرتفعة جدًا وغير واقعية قباسًا بنوعية الاستثمار الذي يروجون له ويستغلون ضعف الثقافة الاستثمارية بالمجتمعات ليوفعوا ضحاياهم في فخ الاحتيال الذي نصبوه لهم.
وقد عرف بالتاريخ حوادث احتيال شهيرة في أكثر الدول تقدماً بعالم الاستثمار مثل قضية مادوف باميركا الذي احتال على المستثمرين المشتركين معه بمبلغ وصل إلى 65 مليار دولار وحكم عليه بالسجن 150 عاماً إضافة لقضية بنك ويلز فارجو قبل سنوات التي اشترك فيها عدد كبير من الموظفين فيه من خلال فتح ملايين الحسابات الوهمية وغير الموثقة لعملاء دون علمهم للإيهام بزيادة المبيعات أي جذب العملاء وقد سويت القضية بغرامة بلغت مليار دولار مع تحقيقات وفصل للموظفين واستقالات بالإدارة العليا للبنك وفي مجمل عمليات الاحتيال المالي فإن حجمها وصل بعام 2018 لتريليون دولار بمختلف الطرق والأساليب مما يشير إلى خطورة شبكات الاحتيال وحجمها وتنوع أساليبها التي تشعبت بشكل بات يصعب التمييز بين الفرص التي تعد استثماراً صحيحاً وغيرها من الفرص التي ليست أكثر من فخ لمن يصدقهم.
في الآونة الأخيرة انتشر لحد ما رسائل بمواقع الإنترنت تروج للاستثمار عبر مؤسسات استثمارية رسمية من المعروف إنها لا تستقبل أموال الجمهور للاستثمار، وقد أصدرت هذه الجهات بيانات توعوية نفت صلتها بمثل هذه الإعلانات وحذرت العموم منها بل وصل الأمر أن بعض المحتالين يتصل بأشخاص ويعرض عليهم فرصة للاستثمار ويدعي أنه موظف بأحد تلك الجهات الرسمية أو المرخصة كما يستخدمون أيضًا وسائل التواصل الحديثة كتطبيقات الواتس أب وغيرها ومن الأساليب الجديدة يقومون بعرض فرصة للاستثمار بعائد سنوي يصل بمجموعة إلى 25 أو 30 بالمائة ويشترطون حدًا أدنى للاستثمار لا يقل عن 50 أو 100 ألف ريال أو دولار ويقدمون فرصة مقنعة كالاستثمار في شركات تدير مطاعم أو مجمعات تجارية دون إيضاح للتفاصيل ويحددون للعميل أن توزيع الربح شهرياً حتى يكون العوض أكثر إغراءً ويضعون بنود في التعاقد يمكن أن لا يميز خطورتها الفرد العادي مثل أنك لا تستثمر بالأصل نفسه بل بالشركة المستأجرة والمشغلة للمجمع أو مجموعة المطاعم على سبيل المثال وبهذه الحالة لو قيل لك أن الشركة التي استثمرت فيها ألغي عقدها فإنك لا تستطيع ضمان حقوقك لأنها بالأصل قد تكون شركة وهمية وظاهريًا هي أفلست فأساليب الاحتيال أصبحت مع توسع الاقتصادات عالمياً أكثر تعقيداً وتشعباً ويستغلون التعاملات عبر الإنترنت والرقمنة لإقناع ضحاياهم بما يقدمونه من فرص استثمارية ليست أكثر من طرق للاحتيال.
لن تنتهي أساليب المحتالين في عالم اليوم تحديداً في محال عروض الاستثمار والتعاملات بالأسواق وتقوم الجهات الدولية والأجهزة الرسمية المعنية بأغلب الدول بتتبع هذه العمليات وتحذر منها وتوقف الكثير من المحتالين لكن ذلك لا يعني أن القضاء على هذه الظاهرة أمر يسير بل هو أشبه بالمستحيل إنما دائمًا السعي هو لتقليصها وتحجيمها بنسب كبيرة ولا بد بالمقابل من حملات للتوعية بأساليب الاحتيال وأيضًا طرح معلومات تساعد الفرد لحد كبير على التمييز بين فرص الاستثمار الحقيقية النظامية وغيرها من عروض بقصد الاحتيال وسرقة أموال الناس بالباطل.
نقلا عن الجزيرة