دروس من أرامكو في السلوك

27/09/2021 0
د.صالح السلطان

كنت ومجموعة من الزملاء قبل نحو عامين في ضيافة أرامكو السعودية. وحصل موقف طريف. أفطرنا قبل التاسعة صباحا، وتناولنا طعام الغداء مع المهندس أمين الناصر؛ رئيس الشركة الساعة الـ12 ظهرا. قلت للرئيس مازحا: أهل الرياض في الغالب يتغدون عند العصر ويتعشون بعد صلاة العشاء بوقت. فكان تعليقه أنهم في أرامكو يتغدون ظهرا ويتعشون الساعة السادسة مساء. فقلت هذا ما تطبقه الدول المتقدمة اقتصاديا، أفرادا ومنشآت ومجموعات. وهو ما أطبقه عبر السنين.

سجل أرامكو السلوكي الانضباطي أمر معروف. وأشير هنا إلى ثلاثة سلوكيات تحسب من ميزات أرامكو: الأول، انضباطية في قيم العمل من دوام وغيره. والثاني، متطلبات السلامة. والثالث، بيئة صحية وعقلانية في عادات استعمال الوقت. تلك السلوكيات لها تأثيرات نراها، وتعد نموذجا لما تتركه ثقافة أرامكو على جمهورها.

ولا يخفى على الإخوة القراء أن أرامكو أصلا شركة أمريكية. وفي أمريكا وغيرها مما يسمى الدول المتقدمة، موعد الغداء الظهر وموعد العشاء قبل السابعة مساء، ويراعى انسجام مواعيد الوجبات مع مواعيد الندوات واللقاءات. وإن طالت أوقات اللقاءات رتب خلالها توقف لاستراحة أو لتناول وجبات. ولنا في ديننا سبق في حثنا على الانسجام والتبكير والانضباطية والتطبيق. ومزيد توضيح لهذه النقطة لاحقا.

لعلنا أفرادا ومجتمعا نتعلم من أرامكو. من الأمثلة أرصفة المشاة وتحديد السرعة القصوى النظامية داخل مناطق وأحياء أرامكو. فصل المشاة عن حركة السيارات لأسباب على رأسها السلامة وهي المقصد من وجود أرصفة خالية من معوقات الاستخدام للمشي. لكن الوضع في عامة شوارعنا غير. يخرج أولادنا إلى المدارس القريبة، ونخرج إلى المساجد فنضطر إلى السير في وسط الشارع معرضين أنفسنا لأذى وأخطار السيارات تعريضا كبيرا، ومع الوقت تعودنا على هذا الوضع الأعوج.

تربية وتعويد أطفالنا على السلوكيات المرورية السليمة ينبغي أن تكون له أولوية. وضع لوحات كبيرة تحدد السرعة داخل الأحياء ومراقبة التطبيق مطلب. كما أن وجود أرصفة مشاة مناسبة خالية من المعوقات أداة كبرى في هذا التعويد. وجود أرصفة لاستخدام المشاة من عناصر السلامة، لأنها تقلل من احتمال تعرض المشاة لأخطار السيارات. كما أن وجود الأرصفة - من جهة أخرى - يسهم في رفع الوعي المروري لدى الصغار وأفراد المجتمع على المدى البعيد.

أمر آخر وهو مواعيد الوجبات وسوء استعمال الوقت، فالوقت المعتاد عليه في تناول الوجبات يعد من أسوأ ما عندنا من عادات تحمل تناقضات، وتعبر عن مساوئ كثيرة في مجتمعنا. إذا دعينا إلى العشاء في مناسبة، فالعادة أن تدعى إلى أكل ثقيل يقدم في الساعة العاشرة ليلا. كيف يجتمع هذا مع ما هو مرغوب فيه دينا وصحة وإنتاجا وأداء وتقديرا لأهمية الوقت. في أكثر من مناسبة، بين متخصصون صحيون كثيرون ضرر تناول العشاء متأخرا.

تبدأ الدراسة في مراحل التعليم العام، ويبدأ الدوام الحكومي ودوام كثير من القطاع الخاص مبكرا قبل التاسعة صباحا. ماذا يعني ذلك؟ معنى هذا أنه مطلوب من أكثرية الطلاب والموظفين أن يكونوا مستيقظين الساعة السادسة أو نحوها صباحا حسب الظروف. ومن الصعب تحقيق ذلك من دون نوم مبكر. ولكن البيئة لا تساعد على تحقيق ذلك، لا تساعد وبالأخص لأولادنا. كثير من الطلاب والموظفين يذهبون إلى المدارس وأماكن العمل وهم لم يأخذوا كفايتهم من النوم. والكلام عن الوضع العام قبل الجائحة، ونسأله - سبحانه - أن يعجل بزوالها.

الناس تطلب الصحة، تطلب الإنتاجية، تطلب الالتزام بالدوام، يطلب المراجعون من الموظفين الخدمة الجيدة. الناس تطلب البركة وفي التبكير بركة. وكل هذه الأمور لها متطلباتها، ومن هذه المتطلبات ترك السهر ليالي الدراسة والعمل. لكن الأغلبية في الوقت نفسه تتبع عادات تعاكس أو تعمل ضد تحقيق ما يطلبون أو يتمنون لأولادهم وأعمالهم ومصالحهم.

ثبت بالحديث الصحيح أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يكره النوم قبل صلاة العشاء وكان يكره الحديث بعدها. وطبعا هذا هو الأصل. ومن هنا أطرح مقترحين:

الأول، تأخير إقامة صلاة العشاء، عن الوقت الذي تعودنا عليه بنحو ساعة إلى ساعة ونصف الساعة، بما يراعي الظروف والوقت من العام. وتبقى الأسواق مفتوحة إلى قبيل إقامة الصلاة بدقائق. وينبغي إعطاء تعليمات واضحة صريحة بأن تقام الصلوات في أوقات محددة مسبقا.

الثاني، يتبع تأخير الصلاة حث الناس على جعل مواعيد مناسباتهم المسائية وتناول عشائهم قبل صلاة العشاء. وإن مبادرة الجهات الحكومية والجهات الخاصة بالتطبيق عامل أساسي في تعويد الناس على التطبيق. الناس تجعلهم قدوة تقلدهم. ويساعد أيضا تعزيز الأجهزة الحكومية والخاصة الكبيرة بمطاعم أو مقاصف، وحث الموظفين على تناول وجبة غداء وسط النهار. وفي هذا يعطون راحة نصف ساعة تقريبا بعد صلاة الظهر.

إن تطبيق المقترحات السابقة لا يعني أنه ليست بها عيوب، ولكن المحاسن تطغى على العيوب. والكمال لله. وأختم بشكره - سبحانه - على رزق النفط الذي رزقناه.

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية