الاقتصاد الصيني.. وانتزاع الهيمنة

02/09/2021 1
د. خالد رمضان عبد اللطيف

هل يبدو العالم مقتنعاً حقاً بحتمية صعود الصين سلم المجد الاقتصادي في القريب العاجل؟، وهل هذا الترقي المذهل أمر لا مفر منه؟.. أسئلة في غاية الأهمية سواء للمديرين التنفيذيين الذين يبحثون عن الأرباح طويلة الأجل، أو للمستثمرين الذين لا زالوا يقيمون مكانة الدولار بين العملات، أو حتى للجنرالات والساسة الذين يضعون استراتيجيات مواجهة التوترات الجيوسياسية.

عندما تمكنت الصين من السيطرة بشكل مثير للإعجاب على الجائحة والحفاظ على النمو في وقت مبكر من الأزمة، بينما كانت الولايات المتحدة مبتلاه بمئات الآلاف من الوفيات والركود ثقيل الوطأة، مال الكثيرون للاقتناع بشأن ما تروجه الصين، لكن في الآونة الأخيرة، سلط الانتعاش الأمريكي السريع والمفاجئ الضوء على

انعدام اليقين حيال توقيت هذا التحول المرتقب، بل إن البعض يتساءل: هل سيحدث أصلًا؟.

إذا نفذ الرئيس الصيني شي جين بينج إصلاحات تعزيز النمو، ولم يتمكن نظيره الأمريكي جو بايدن من تنفيذ مقترحاته لتجديد البنية التحتية وتوسيع القوة العاملة، فإن الصين يمكن أن تحتل المرتبة الأولى بحلول عام 2031، لكن هذه النتيجة أبعد عن أن تكون مضمونة، لأن مزيجًا من المخاطر التي تتضمن فشل الإصلاح والعزلة الدولية والأزمة المالية يمكن أن توقف صعود الصين قبل أن تصل إلى القمة.

تضخم الصين بيانات ناتجها المحلي الإجمالي الرسمية، وبالتالي فإن الفجوة بين أكبر وثاني أكبر اقتصادين في العالم أوسع مما تبدو عليه، وستحتاج تلك الفجوة إلى وقت أطول لتجسيرها، وعلى المدى الطويل، هناك ثلاثة عوامل تحدد معدل النمو الاقتصادي، الأول: هو حجم القوة العاملة، والثاني: هو مخزون رأس المال بداية من

المصانع مرورًا بالبنية التحتية للنقل إلى شبكات الاتصالات، وأخيرًا، هناك الإنتاجية، أو مدى فعالية الدمج بين العاملين السابقين، ولا شك أن الغموض يخيم على مستقبل الصين في كل هذه المجالات.

تبرز الإنتاجية بوصفها مفتاح النمو المستقبلي للصين، لكن تعزيز الإنتاجية يتطلب اتخاذ إجراءات من قبيل إلغاء نظام هوكو الذي يقيد حركة العمال بمكان ميلادهم، وضمان تكافؤ الفرص بين الشركات العملاقة المملوكة للدولة ورجال الأعمال المهرة، وخفض الحواجز أمام مشاركة الأجانب في الاقتصاد الصيني والنظام المالي، وبالرغم من أن بكين لديها سجل حافل من إصلاحات النمو، إلا أن كفاءة الصين توازي 50% من كفاءة الولايات المتحدة في كيفية الجمع بين العمالة ورأس المال، ومن ثم فلا يزال أمام التنين الصيني مجال كبير للتطور.

على عكس الاحتفالات الصاخبة بالذكرى المئوية للحزب الشيوعي إلا أن كل محددات النمو المستقبلي ليست تحت سيطرة الصين، إذ أن علاقة الصينيين بالعديد من الدول المهمة ليست على ما يرام، فلعبة تقاذف اللوم بشأن مصدر الفيروس المميت، وانتقادات حقوق الإنسان، وقانون الأمن القومي في هونج كونج، عوامل ساعدت البعض على النظر للصين من خلال نظارة سوداء، وإذا استمرت علاقات الصين مع الولايات المتحدة وحلفائها في التآكل، فسوف ينضب تدفق الأفكار والابتكارات عبر الحدود، وستغلق بعض الدول الباب أمام تغول التكنولوجيا الصينية.

في المقابل، هناك شكوك واسعة النطاق حول مصداقية أرقام النمو الرسمية في الصين، لأن بيانات الناتج المحلي الإجمالي من صنع السلطات، إذ أنه بين عامي 2010 و2016، كان نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للصين أقل

بنحو 1.8 نقطة مئوية مما قدمته البيانات الرسمية، وإذا كانت الصين بالفعل على مسار نمو أبطأ، فإن تجاوز الولايات المتحدة سيصبح أكثر صعوبة، ونعتقد أنه للحصول على بيانات أكثر موثوقية، فإنه يمكن النظر إلى الأرقام المتعلقة بإنتاج الكهرباء، وشحن السكك الحديدية، والقروض المصرفية وأشباهها.

بالنسبة للولايات المتحدة، فإن طريق تسريع النمو يكمن في توسيع القوة العاملة، وزيادة مستوى الرصيد الرأسمالي، والابتكار في التكنولوجيا، ولتحقيق هذه الأهداف، تقدم خطط بايدن الراهنة لتطوير البنية التحتية ومساعدة الأسر مدفوعات مقدمة بقيمة تريليون دولار، ولا شك أن تسريع النمو الأمريكي يمكن أن يؤخر صعود الصين، وإذا سار كل شيء على ما يرام بالنسبة للصين، من الإصلاحات الداخلية إلى العلاقات الدولية، فقد تصبح هي والولايات المتحدة مثل فرسي رهان

مع بداية العقد المقبل، ثم تتسارع خطاها لتوسيع المسافة بينهما. 

 

خاص_الفابيتا