تجربة تونس مهمة تنمويا واقتصاديا، لأن الخلفية الاجتماعية فريدة وتميزت بفرصة للنقاش والتداول بين التونسيين على مدى عقد دون تحقيق الأهداف الاقتصادية المعقولة.
بعيدا عن التفاؤل أو التشاؤم لأي أسباب اجتماعية، جاءت الحكومة الجديدة لإعادة تقويم التجربة وأخذها إلى بر الأمان، لكن ما أنا بصدده في هذا المقال هو التجربة الاقتصادية وآفاقها.
وأثبتت التجربة السابقة للبلاد أن النجاح الاقتصادي صعب لأسباب متعددة منها تراكم الأداء المتواضع بسبب اختلافات مؤثرة والفجوة بين الإنجاز والتوقعات، إلى أن جاء الرئيس الجديد قيس سعيد لسد الفجوة في القرار الاقتصادي التونسي.
وتابعت مناقشات متعددة ومختلفة الأنواع بين مختصين في القانون والاجتماع في تونس، تضمنت حديثا موسعا وعميقا لما يعدونه صفحة جديدة وربما حتى إعادة تصحيح المسار المجتمعي، ولكن استغربت لعدم الاهتمام بالاقتصاد رغم التحديات المعيشية والصحية والصعوبات الاقتصادية. هناك إشكالية فكرية من ناحيتين:
الأولى: أنه دون نجاح اقتصادي لن يستمر أي نجاح مجتمعي، والثانية أن هناك نزعة مثالية وتركيزا على السياسة في حقبة تحكمها الماديات، ما يجعل كثيرا من النقاشات العامة ناقصة. لذلك لا بد من خطاب جديد يكون قوامه التحدي التنموي وانخراط التونسيين في التعامل مع المشكلات الاقتصادية، وعمليا الاقتصاد هو أكثر العلوم الاجتماعية قابلية للقياس، والقياس يقودنا إلى الحيثيات والأرقام.
تونس اقتصاد صغير نسبيا قياسا على GDP عند 38 مليار دولار، وجاءت الأحداث الأخيرة على خلفية معاناة كبيرة مع فيروس كوفيد، حيث سجلت تونس أعلى نسبة وفيات في المنطقة وانكماشا اقتصاديا في الدخل القومي الإجمالي بنسبة 8.8 في المائة في 2020 ونسبة بطالة تصل إلى 18 في المائة وأكثر من 30 في المائة بين الشباب والشابات. هناك عجز تجاري ومالي، إذ يبلغ عجز المدفوعات الجاري والمالي والدين العام 6.8 و10 في المائة و72 في المائة من GDP على التوالي، واحتياطيات النقد الأجنبي تصل إلى 8.3 مليار دولار بما يكفي لواردات تغطي 158 يوما فقط. هذه المؤشرات تدل على مدى الصعوبات رغم الاستقرار النسبي وما يذكر عادة عن جودة التعليم العام والموقع القريب من السوق الأوروبية، حيث يتجه 80 في المائة من الصادرات التونسية. هناك اعتماد كبير على القطاع العام في التوظيف غير قابل للاستدامة ولا يتماشى مع رغبة حقيقية للتغيير رغم الانفتاح النسبي للسوق التونسية. الخطاب الاقتصادي المفترض يهدف إلى رفع النمو والاستثمارات الداخلية والخارجية كجزء من عملية تحول شاملة. رغم التحديات إلا أن تونس في وضعية أفضل من كثير من دول المنطقة رغم قلة الموارد. مرحليا لا بد من إعادة تأهيل الخطاب الاقتصادي لإعادة مركزية الاقتصاد في الطرح العام.
وهناك عدة اقتراحات مطروحة ممكن تبنيها لأن طريق التنمية الاقتصادية طويل بطبعه، ولكل بلد ظروف موضوعية يحكمها الموقع الجغرافي والموارد والتجربة الذاتية. منها مثلا أن تكون تونس ذات نزعة تجارية في علاقاتها مع الخارج وتستثمر في البنية التحتية والتعليم وفتح السوق داخليا للمنافسة واستغلال أمثل لتطوير العلاقة مع أوروبا في سلاسل الإمداد كما تعمل المغرب، وربما تعظيم الاستفادة من ليبيا في إعداد المؤهلين في جميع المهن، يعتمد على إعادة هيكلة التعليم للتوجه مهنيا وفنيا، خاصة أن ليبيا بلد نفطي تعرض لكثير من التدمير.
المساعدات الخارجية ربما ضرورية تدخل فيها إعفاء بعض الديون حتى المساعدات المباشرة كما قامت المملكة بدعم مؤثر وسريع للتعامل مع تحدي أزمة كورونا وقدمت مساعدات عاجلة لدعم القطاع الصحي لمواجهة تداعيات الجائحة ومساعدات أخرى متنوعة.
المساعدات الخارجية لن تكفي دون إجماع وبوصلة اقتصادية وصبر طويل، لأن سلم القيمة المضافة طويل ونتائجه بعيدة المدى وفي تزامن قد لا يتناسب مع الساعة السياسية. تونس قادرة على تخطي التحدي بجهود أهلها أولا وإعفاء عن جزء مؤثر من الديون.
نقلا عن الاقتصادية
( يبلغ عجز المدفوعات الجاري والمالي والدين العام 6.8 و10 في المائة و72 في المائة من GDP على التوالي)....هذه المؤشرات قطعا ليست جيدة ....لكنها جيدة قياسا لمعظم الدول العربية وحتى بعض النفطية منها ..
صحيح للأسف اغلبها يعاني خلل اقتصادي.