في خاتمة الكتاب لا بد من التذكير بأن التاريخ مليء بتجارب التعاقب الحضاري بين الأمم، فالصينيون والمسلمون سبقوا الغرب، واليابان كانت متخلفة حتى بدأت نهضتها في منتصف القرن الـ 19، واليهود استطاعوا التغلب على تبعات العنصرية والتهميش ليسجلوا أعلى نسبة من جوائز نوبل قياسا على عددهم. هناك مجموعات تتخلف ثم تعود، وهناك من ينحدر بعد نجاح حسب الظروف الموضوعية. حتى العبودية مرت بالتجربة التاريخية، إذ كان البربر يتاجرون بالعبيد الأوربيين في شمال إفريقيا قبل تجارة العبيد من إفريقيا في الغرب. تاريخ العبودية أحد دروس التاريخ المشوهة ما يكرس مفاهيم وحلولا خاطئة رغم وحشيتها، إلا أن ما تلاها من حروب عالمية وغير عالمية كان أسوأ وأكثر تكلفة.
إن العنصرية جانب بغيض في التجارب البشرية، لكن الإشكالية الفكرية والتحليلية أن المفارقة في النتائج توظف لشرح ومعالجة كل المشكلات كأنها نابعة من عنصرية. اختلاف الظروف الجغرافية والسكانية والتجربة والموارد وطريقة إدارتها والحروب كلها تقود لمستوى من الفرص مختلف، لكن هذا كله في دائرة واحدة، إذ هناك دائرة أخرى تدور فيما يصل الفرد من رسائل ومعلومات وتعليم وتربية منزلية، فمثلا البيت المعروف بالقراءة وتوظيف كلمات أكثر وأوسع مصطلحات يساعد على تفوق الذرية أكاديميا ورفع دخولهم لاحقا. كذلك في دائرة أصغر هناك اختلافات بين الأفراد جينيا وجسمانيا، فمثلا الأكثر جمالا أعلى فرصة في القبول، كما أن هناك اختلافات حتى بين الأخوة والأخوات في البيت الواحد، حتى بين التوائم. تبويب العوامل التي تقود للمفارقة كثيرة ويصعب اختصارها في معادلات هندسة اجتماعية.
يذكر الكتاب أن أحد أسباب إشكالية عدم التفريق بين العنصرية والمفارقة، أن الحضارة الحديثة مادية الطابع ما جعل العلوم الاجتماعية تحاول تطبيق المنهجية نفسها. هذه المنهجية تقود حتما لتوظيف الإحصاءات، فمثلا لو حصل شخصان على المؤهل الأكاديمي نفسه، لكن تفوق أحدهم في الدخل لاحقا ذكر أنه غالبا بسبب أحد أنواع العنصرية ولو مخففة، لكن لن يحاول أحد دراسة كل الظروف الموضوعية حول الحالة بدقة وأمانة عالية. التشخيص الخاطئ يقود غالبا إلى حلول مكلفة وأحيانا خطيرة على أكثر من مستوى، فمثلا الحلول الأمريكية في الستينيات من القرن الماضي لم تسهم كثيرا في تحسين مركز الأقليات في سلم التعليم والدخل، على الأقل بما يتناسب مع المصروفات والتوقعات.
اختصارا يرى الكتاب أن الإشكالية في نظرة اجتماعية معينة تقوم على دور للحكومة في هندسة مجتمعية مبنية على رغبة في المساواة في النتائج متسلحة بإحصائيات عامة وغالبا اختيارية دون تدقيق في مصادرها ومقارنتها بمثيلاتها في فترة أو مجتمع آخر متشابهة في أغلب الظروف الموضوعية. حين يركز جمع المعلومات والتحليل على إثبات نظرية متفق عليها سابقا تصبح النتائج المقبولة فقط التي تناسب النظرة المجتمعية السائدة. لذلك أغلبها يفقد المنهجية العلمية ويقود لقرارات خاطئة والمطالبة باعتماد على دعم حكومي يؤجل التعامل الصحي مع آفات المجتمع. يرى الكتاب أن كثيرا من النخبة تتغذى على مصروفات عامة تحت شعار المساواة.
طرح الكتاب محافظ في وقت تسيطر عليه سياسات شعبوية وضعف في القيادات وقلة شجاعة في بعضها، ولذلك لن يلاقي قبولا عاليا في أغلب الأوساط. الحالة الشعبوية الجديدة وجدت ضالتها في سياسات عامة تقاوم التغيير والمنافسة والتطور الطبيعي للمجتمعات.
نقلا عن الاقتصادية