القنــوع والحـريـص

23/07/2021 1
عبدالله الجعيثن

كثيراً ما يتوقف شقاء الإنسان أو سعادته على طبعه ونظرته للحياة، فالحريص المقدام قد ينال كثيرًا من المال ولكنه يظل يلهث، تُلهبه سياط الحرص وتضربه على ظهره فيظل مسرعًا يخوض الغمار حتى يذهب قطار العمر، وقد يجعله الإقدام يقفز قفزات تكسر عموده الفقري وتُبقي حرصه يغلي داخله ويتحول إلى سخط على الحياة والناس، وإحساس لاذع بالمرارة وعقدة الاضطهاد.

والذي يجمع القناعة مع الإقدام يكون أقرب للسعادة وراحة البال في كل الأحوال، وتكون قناعته بمثابة ميزان يجعله يعتدل ويساير الحياة ويعرف طبيعتها.

الجبان القانع خامل خامد، همه كفاف العيش مع السلامة، فأُم الجبان لا تفرح ولا تحزن لأنها تعلم أن ولدها (يباري الساس) فلا تخاف عليه، لكنها لا ترجو منه أي غنيمة تذكر، ولدها وتعرفه ما هو مغامر ولا أصلًا باحث عن غنائم، هذا (دابة سليمة) لا يأتي منه شر ولا خير.

ولكن أشقى الناس -والله أعلم- من جمع الجبن مع الحرص، فلا هو قادر على الكسب الجزل ولا هو راضٍ عن القليل، لأن حرصه يجعل فقره بين عينيه، كما قال ابن الرومي عن نفسه:

أذاقتنيَ الأسفارُ ما كَرَّه الغِنَى    إليَّ وأغراني برفض المطالبِ

فأصبحتُ في الإثراء أزهدَ زاهدٍ    وإن كنت في الإثراء أرغبَ راغبِ

حريصاً جباناً أشتهي ثم أنتهي    بلَحْظي جناب الرزق لحظَ المراقبِ

ومن راح ذا حرص وجبن فإنه        فقيرٌ أتاه الفقرُ من كل جانبِ

والسعيد بإذن الله من تحققت له دعوات عباد الله الصالحين:

(اللهم وسّع علينا الدنيا وزهِّدنا فيها، ولا تضيّقها علينا وتحرصنا عليها)

جعلنا الله وإياكم من السعداء في الدارين.


نقلا عن الرياض