عندما كنت أتسوق عبر الإنترنت في وقت سابق من هذا الأسبوع، رأيت كرسي استرخاء خشبيا عالي الجودة، للتحكم في تعديل حركة مسند الظهر والأرجل، والذي أُعلن عنه وسُوق له على أنه مصنوع بالكامل في المملكة العربية السعودية.أمر مثير للإعجاب، أليس كذلك؟ ولكن هناك ما هو أكثر بكثير مما تراه العين. فلم أر في هذا الإعلان لإحدى الشركات السعودية مجرد كرسي أريد شراءه، بل استحضر شعار "صُنع في السعودية" في ذهني رؤية 2030 من ناحية اقتصادية واستثمارية.
يضع صانعو القرار في المملكة العربية السعودية في اعتبارهم أن التنمية المستدامة هي عامل أساسي لاقتصاد تنافسي في السوق العالمية، فهم يريدون زيادة حصة الصادرات السعودية غير النفطية من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي (GDP) إلى 50% بحلول عام 2030 من 16% في عام 2016. وقد أظهرت المملكة خلال الأعوام القليلة الماضية توافقًا أكبر مع الأهداف البيئية طويلة الأمد وأهداف التنمية المستدامة لصالح الأجيال القادمة، من جهة، ومع الديناميكيات المعقدة لاستثمارات السوق والنظام المالي العالمي، من جهة أخرى. وفي الوقت نفسه، تضع المملكة نُصب أعينها النفط كمورد مالي رئيس ومهم.
لم يقتصر اكتشاف النفط وإدراك أهميته وإمكاناته في تلبية احتياجات العالم من الطاقة، وعلى زيادة الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فحسب، بل ساعد أيضا في دمج اقتصادات المنطقة بالاقتصاد العالمي. ومع ذلك، فإن التنويع الاقتصادي المستمر في السعودية يساعدها على توسيع قواعدها الإنتاجية والتصديرية على نحو يعزز مرونتها الاقتصادية في مواجهة التقلبات والصدمات في الأسواق العالمية.
لذلك تدعو رؤية السعودية إلى دمج المعايير البيئية ومعايير الاستدامة في اقتصادها لتحقيق المرونة المرجوة والنمو الاقتصادي على المدى الطويل. وفي عام 2017، قامت هيئة السوق المالية السعودية بمراجعة قانون حوكمة الشركات السعودية للتأكيد على أهمية معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية، بما يتماشى مع الاتجاه العالمي، فالاقتصاد السعودي واحد من أسرع الاقتصادات نموا في العالم، بل إنه كان الأسرع نموا في اقتصادات "مجموعة العشرين" في عام 2022، مع نمو كبير في الناتج المحلي غير النفطي، وتراجع معدلات البطالة بين السعوديين إلى أدنى مستوى تاريخي لها، كما أن المملكة باتت مقرا استراتيجيا لكبرى الشركات العالمية. ويهتم اليوم كبار المستثمرين في الأسواق المالية، والذين يملكون جزءًا كبيرًا من الأسهم في الشركات الكبرى المدرجة في البورصات العالمية، بالمشاركة الفعالة في معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية.
وأصبحت السعودية سوقا جاذبة للابتكار في مجالي التكنولوجيا والتنمية المستدامة. لماذا؟ لأن السوق المالية السعودية ”تداول“ اليوم تاسع أكبر سوق للأوراق المالية من بين 67 عضوا في الاتحاد العالمي للبورصات. وهي ثالث أكبر سوق للأوراق المالية بين نظيراتها من الأسواق الناشئة. إضافة الى انها سجلت في أحدث البيانات أكثر من 50% من إجمالي القيمة السوقية للبورصات العربية، كما أنها موطن لرأس مال بشري ضخم يزيد عن 36 مليون نسمة، فالشباب دون سن الـ 30 يمثلون حوالي 63% من تعداد السكان.
ولكن من المهم أن نلاحظ أن تقنية عزل وإزالة الكربون لتحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، ليست بالعملية السهلة، بل إنها عبارة عن متاهة من ابتكارات عدة لم تدخل السوق بعد وتحتاج إلى وقت كبير لتطويرها، فضلا عن التمويل المناسب من كبار المستثمرين الذين عادة يتجنبون المخاطرة، بل حتى من مديري صناديق رأس المال المُخاطر، وهم الأكثر جرأة ومغامرة. وتعد تلك الابتكارات الركيزة الرئيسية لتحقيق أهداف القطاعات الفرعية التي تتشكل منها الطاقة المتجددة، بما في ذلك الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية. فقطاع الطاقة المتجددة أكبر بكثير من مجرد الاستثمار في تطوير وإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية، فهذا تبسيط وفهم سطحي لذلك القطاع الحيوي. ومن الناحية العملية، لا يزال النفط وسيظل لفترة طويلة من الزمن مصدراً ماليًا ومصدر طاقة لا غنى عنه، ليس لأنه نموذج عمل تم اختباره جيدًا من كبار المستثمرين خلال العقود المنصرمة فحسب، ولكن أيضًا بسبب المخاطر الجيوسياسية والطبيعية في عالم دائم التغير.
وهناك علاقة اقتصادية واستثمارية وثيقة بين مصادر الطاقة التقليدية ومصادر الطاقة المتجددة. فلنأخذ الألواح الشمسية التي نراها على أسطح المنازل في العديد من المدن حول العالم والنفط، على سبيل المثال، فتوفر تلك الألواح نفقات فواتير الطاقة، إذا نظرنا إليها من منظور الاقتصاد الجزئي، ولكن لها هدف أبعد وأهم من ذلك من منظور الاقتصاد الكلي، إذ إنها تساعد الدول التي تحوز على ثروة من الموارد الطبيعية، كالنفط، في الحفاظ عليها وترشيد استخدامها. وسمحت السلطات السعودية في السنوات الأخيرة للأفراد بتركيب واستخدام الألواح الشمسية الصغيرة الحجم بالفعل لترشيد استهلاك الكهرباء. وفي البورصات العالمية، ينظر المستثمرون بعين الاعتبار لتلك العلاقة عند اتخاذ قراراتهم لتحقيق التوازن الصحيح بين القطاعين النفطي وغير النفطي. بعبارة أخرى، إنه البحث دائمًا عن توازن بين الربحية في الأسهم المتداولة في الوقت الحالي، والأهداف المستدامة طويلة الأجل.
إسلام زوين، الرئيس التنفيذي لـ"أرقام".
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع
وأهم داعم للصناعة المحلية هو منظومة المحتوى المحلي والتي حركت اتجاه المستثمرين نحو انشاء مصانع داخل السعودية لضمان بيع وتصريف بضاعتهم لدى الدوائر الحكومية والشركات الكبرى في السعودية مثل ارامكو وسابك ومعادن وغيرها من الشركاات والتي يمتلك صندوق الاستثمارات العامة الجزء الاكبر فيها