العام الماضي سيبقى محفوراً في ذاكرة البشرية بأنه الأصعب على الاقتصاد العالمي الذي شهد أكبر إقفال قسري للكثير من الأنشطة الاقتصادية بسبب جائحة كورونا بخلاف الضغط النفسي على عموم البشر في كل دول العالم، فالخطر كان على صحتهم وحياتهم ولذلك اتخذت الكثير من الدول خيار الإقفال لمعظم النشاطات الاقتصادية حرصاً على صحة الناس، فالعدو كان مجهولاً ولا يمكن منع انتشاره بسهولة وقد فاق انكماش الاقتصاد العالمي 4 في المائة العام 2020 وخسرت دول العالم تريليونات من الدولارات نتيجة هذا الإقفال وضخت جبالاً من الأموال للتصدي لهذا الخطر العظيم واستيعاب تداعياته الصحية والاقتصادية، فمجموعة العشرين ضخت لوحدها نحو 11 تريليون دولار وما زالت الأرقام تزداد بالإنفاق ومبادرات الإنقاذ لأن الفيروس لم ينته تفشيه، بل ما زالت تتوالد سلالات جديدة تضغط على خطط استعادة النمو للاقتصاد العالمي.
وفي المملكة واجه اقتصادها كحال بقية العالم انكماشاً عالياً وصل إلى 4.1 في المائة العام الماضي واتخذت الدولة إجراءات غير مسبوقة من الاحترازات ودعم القطاع الصحي بأكثر من 46 مليار ريال إضافية للموازنة المعتمدة ومع الإقفال لعديد من الأنشطة الاقتصادية قدمت الحكومة حزماً من برامج التحفيز غطت جل التداعيات للحفاظ على المكاسب الاقتصادية ودعم القطاع الخاص الأكثر تضرراً وأيضاً دعم الحفاظ على وظائف المواطنين بالقطاع الخاص وقد تجاوزت تكلفة هذه الحزم التحفيزية أكثر من 220 مليار ريال وبالرغم من ارتفاع البطالة في بداية الأزمة الاقتصادية لتتخطى 15 في المائة إلا أنه تم خفض نسبة البطالة إلى 11.7 في المائة حيث تم توظيف اكثر من 400 ألف مواطن ومواطنة في القطاع الخاص منذ بداية العام الحالي واعتمدت موازنة تحفيزية لهذا العام عند 990 مليار ريال كحجم إنفاق متوقع بالإضافة لتحرك صندوق الاستثمارات بضخ استثمارات بداية من هذا العام لتحفيز النشاط الاقتصادي وفق خطة إستراتيجية تمتد لخمسة أعوام سينفق خلالها ما يصل إلى 150 مليار ريال سنوياً مع استكمال للمشاريع الإستراتيجية التي يعمل عليها منذ اعتماد رؤية 2030 قبل خمسة أعوام.
لقد كان نتيجة كل هذه الإجراءات وغيرها من اعتماد سياسة نقدية مرنة من البنك المركزي وتحفيز رفع من مستوى السيولة بالاقتصاد لتصل الودائع لأعلى مستوياتها تاريخياً فوق تريليوني ريال مما انعكس مع مجمل الإجراءات الأخرى بعودة النمو للاقتصاد الوطني وأدى لتأكيد «وكالة فيتش « لتصنيف ائتمان المملكة عند A أي تصنيف استثماري آمن والأهم تغيير النظرة المستقبلية من سلبية إلى مستقرة للاقتصاد الوطني لتكون المملكة بذلك من أوائل الدول التي تتغير النظرة لاقتصادها للاستقرار مع توقع الوكالة بتحقيق نمو الناتج الإجمالي الحقيقي لهذا العام عند 2.1 في المائة مع توقع بتراجع العجز لهذا العام من تقديرات سابقة عند 8.4 في المائة من الناتج الاجمالي إلى 3.3 في المائة وأيضاً توقع بتحول العجز بالحساب الجاري للفائض وذلك نتيجة للإصلاحات في المالية العامة وأيضاً ما تحقق منذ إعلان الرؤية من بداية التوجه نحو التنويع الاقتصادي فقد نما الناتج الصناعي 0.5 في المائة لشهر مايو الماضي بفضل قطاع التعدين والصناعات التحويلية بعد انكماش استمر 13 شهراً نتيجة تحسن الطلب المحلي والعالمي فالعودة للنظرة المستقبلية المستقرة لاقتصاد المملكة بهذه السرعة في وقت ما زالت الكثير من الدول تعاني اقتصادياً سيسهم بزيادة النشاط في القطاع غير النفطي وهو ما يظهر من الاستمرار بإطلاق المشاريع الكبرى واعتماد الإستراتيجيات بقطاعات عديدة كان آخرها النقل والخدمات اللوجستية.
تحركت المملكة محلياً وعالمياً لدعم الاقتصادين المحلي بحزم وبرامج التحفيز وعالمياً عبر رئاستها لدورة مجموعة العشرين بالعام الماضي الأشد قسوة على العالم والخروج بتوصيات واتخاذ إجراءات من دول المجموعة احتوت الأزمة الاقتصادية عالمياً إضافة لقيادتها البارزة لتحالف (أوبك +) باستعادة التوازن لأسواق النفط بعد انهيار الأسعار بأكثر من 70 في المائة لخام برنت ولأقل من 20 دولار للبرميل قبل أكثر من عام لترتفع إلى حوالي 74 دولار حالياً، وبالرغم من أن جائحة كورونا مازالت قائمة لكن هذه العودة السريعة للنمو وسرعة تحسن النظرة المستقبلية ستدفع نحو مزيد من الثقة بضخ الاستثمارات وتحقيق معدلات نمو قياسية تعيد الحيوية للاقتصاد الوطني وتدعم خطط وبرامج الرؤية لتوسيع حجم الاقتصاد وطاقته الاستيعابية وتوليد فرص العمل مستقبلاً.
نقلا عن الجزيرة