مرئيات صندوق النقد عن تطورات الاقتصاد السعودي

12/07/2021 1
د.صالح السلطان

اختتم المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، أخيرا، مشاورات المادة الرابعة للعام الجاري 2021 مع المملكة. ونشرت مرئياته حيالها قبل أيام قليلة. والمشاورات تطبيق للمادة الرابعة من اتفاقية تأسيس صندوق النقد الدولي التي نصت على إجراء مناقشات ثنائية مع الدول الأعضاء، على أساس سنوي عادة.

في مرئيات المجلس المنشورة في موقع الصندوق، امتدح كيفية تعامل السعوديين مع معركة جائحة كورونا كوفيد - 19. أشاد بهوامش الأمان التي وفرتها السياسات الحكومية ولمسها الناس من خلال مجموعة متنوعة من برامج الدعم والتوظيف. وطبعا قللت الدولة مع مرور الوقت من برامج الدعم مع تخفيف التدابير المتخذة لمواجهة انتشار الوباء. لكن هذا التقليل لم يطبق على الفئات الأكثر استحقاقا. كما أبقت السياسات دعم المقترضين من البنك المركزي السعودي.

تخفيف الدعم أمر مفهوم لأن الموارد لها حدود. والناس لهم وجهات نظر كثيرة، ولا يمكن إرضاء الجميع. وتبقى المسألة في اختيار ما هو أفضل و/أو أكثر استمرارية بحسب الإمكانات والمعايير المتبناة.

أشاد المجلس بمواصلة الاقتصاد السعودي التعافي على نحو جيد. والتوقعات تشير إلى استمرار التعافي الذي بدأ في الشهور الأخيرة من العام الماضي. طبعا قوة الضخ المالي الحكومي، وإن كان يدعم النمو الوقتي، لكنه قد يحمل المالية العامة متاعب مستقبلية. وهذا يعني أنه لا بد من ضبط الضخ، وهذا ما حصل. ولتقليل آثار سلبية لهذا الضبط، قامت الدولة بزيادة فعالة في استثمارات صندوق الاستثمارات العامة، وهي زيادة موجهة لمشاريع كبيرة، ومدعومة بسلسلة الإصلاحات التي تبنتها الرؤية، ومدعومة بعودة قوية لإنفاق الناس والقطاع الخاص. وتبعا من المتوقع أن ينمو الاقتصاد بالأسعار الحقيقية أو الاسمية نموا ملموسا على المديين القصير والمتوسط.

ماذا بشأن التضخم؟ متوقع أن يدور حول 3 في المائة في هذا العام. ولا شك أن ما نراه من مستويات ائتمان قوية وتشجيع لبرامج تمويل العقار والمنشآت الصغيرة لا شك أن لها آثارا تضخمية. وأسهمت جودة أوضاع البنوك من رأسمال وسيولة ورقابة حكومية في قوة نشاط التمويل.

ماذا بشأن عجز المالية العامة؟ حصل عجز العام الماضي وهذا مفهوم مع تأثيرات الجائحة بخفض النشاط الاقتصادي في إيرادات الدولة. لكن الوضع تحسن بعد اتخاذ تدابير تقلل من حجم العجز. وتشكل الإيرادات العامة نحو ثلث الناتج المحلي، وكانت الربع عام 2015. أما النفقات، فشكلت وما زالت تشكل نحو 40 في المائة. ويتمتع القطاع العام بمركز أصول قوي حيث تقدر هذه الأصول، ومنها الأصول النفطية، بما يعادل خمسة أمثال الناتج المحلي تقريبا. ويعمل صندوق الاستثمارات العامة على زيادة استثماراته. وما زال معظم الأصول العامة الأجنبية محتفظا بها لدى البنك المركزي.

وامتدح المجلس جهود التطوير والإصلاحات في سوق العمل وبرامج الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وفي دعم المنشآت الصغيرة ورواد الأعمال. كل هذه تسهم في نمو وتعميق تنويع مصادر الدخل.

يرى المجلس أن من المهم وضع معايير صارمة للأداء. وقوة نجاح تطوير قطاعات اقتصادية جديدة مرتبط بتوافر يد عاملة سعودية ماهرة وبحوافز وأجور تنافسية. وفي هذا من المهم الاتساق القوي بين الأجور والإنتاجية.

امتدح المجلس برامج الاستدامة في المالية العامة. وأوصى المجلس بقوة الاستمرار في مراقبة مخاطر المالية العامة، ووضع إطار قوي لإدارة الأصول والالتزامات السيادية. وتزيد أهمية هذه التوصية مع تنامي دور صندوق الاستثمارات العامة والشراكات بين القطاعين العام والخاص. وفي هذه الإطار أوصى المجلس بمزيد تعزيز في جهود إدارة الإنفاق والمشتريات.

كما نوه المجلس باستمرار قوة القطاع المالي وقوة رقابة البنك المركزي السعودي. وفي هذا الشأن، نبه المجلس على أهمية المتابعة القوية لنشاط الإقراض العقاري.

أشاد المديرون بإعلان "استراتيجية المناخ السعودية"، والالتزام بتخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وقالوا إنهم يتطلعون إلى مزيد من التفاصيل حول خطط السلطات للوفاء بتعهداتها المناخية.

واتفق المديرون على أن نظام ربط سعر الصرف بالدولار لا يزال يعود بالنفع الكبير على الاقتصاد نظرا لهيكل الاقتصاد الحالي. ورغم ذلك، فقد يرى البعض مراجعة هذا النظام بالنظر للتطورات في خطط تنويع النشاط الاقتصادي.

يجنح بعض الناس إلى المبالغة والتعميم في انتقاد توصيات الصندوق. والعادة أن الناس تنظر ليومها، فالإنسان هلوع بطبعه، إلا من استثناهم ربنا. يقول سبحانه {إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} إلخ الآيات.

باختصار، المشكلة ليست في التوصيات لكن في كيفية تصميمها أولا، وجودة تنفيذها ثانيا بما يحقق أقل الضررين، على المديين المتوسط والبعيد خاصة.

ختاما، أقول إن بلادنا تزخر - بحمد الله - بكفاءات كثيرة رزقها الله علما وفهما وخبرة وأمانة بما يمكنها من تقييم كلام الصندوق تقييما مهنيا راسخا.

 

نقلا عن الاقتصادية