هناك تساؤلات اقتصادية على جميع المستويات يصعب تقديم إجابات عنها دون إجماع على المرجعيات وتحديد السياق. عادة يصعب الدفاع عن السياسات قبل الإجماع على المرجعيات والسياق. إذ دون ذلك يصعب تتبع سلم القيمة المضافة وتصبح الخيارات الاقتصادية سوقا لمن يقدم عرضا أفضل تسويقيا. وأعتقد هناك ثلاث دوائر كل واحدة منها تستحق إجماعا قبل محاولة قرارات أكثر دقة في قلب الدائرة الثالثة المكون الأساس للقيمة.
الدائرة الأولى في العلاقة بين الإنتاجية في الاقتصاد الوطني ودرجة التحول في منظومة الطاقة عالميا. لا يمكن التفكير في الاقتصاد الوطني دون التفكير في تسعير الطاقة خاصة النفط والغاز وسلسلة منتجاتهما. لا بد للإنتاجية أن ترتفع أعلى أو على الأقل بدرجة انحسار دور الطاقة الهيدروكربونية نفسها بما في ذلك التزامات المملكة الدولية. لعل استهداف المملكة لإنتاج نصف الكهرباء من الطاقة المتجددة مثال جيد على إدارة التحول. كلما زادت المسافة بين سرعة الإنتاجية والتحول في الطاقة ارتفع عامل الأمان وكلما قلت ارتفعت درجة المخاطر.
الدائرة الثانية تدور حول العلاقة بين الاستدامة المالية ودرجة تطوير التصنيع في الاقتصاد والترابط الأفقي والرأسي. المال ممكن، لكن ليس عملا اقتصاديا في حد ذاته مهما كانت كفاءة الإدارة المالية، لكن المال ضروري وكفاءة إدارته محورية ليس لتمويل الاستهلاك الأساسي فقط، لكن للاستثمار وتحمل عملية التطوير الصناعي المعقدة والطويلة. حين تتمكن من التصنيع يكون المال أقل دورا، لكن دون تصنيع منافس تكون المخاطر على الاستدامة المالية أعلى.
الدائرة الثالثة تدور بين العلاقة بين القطاع الخاص والتوطين. لا بد أن تكون العلاقة بين التوطين والقطاع الخاص ميدانا للعمل النوعي والإبداعي. لعل هذه أصعب دائرة لأنه منطقيا كلما يصغر محيط الدائرة تصعب درجة التنسيق وتزيد فرص الاحتكاك بين الفئات المختلفة، احتكاك يجب أن يشجع لأنه الوجه الآخر للتعاون وتلاقح المعارف وتأسيس المهنية، فدون تعاون وتضافر لا يمكن تكوين شركات وقيمة وتعلم. مثال ناجح على إعادة هيكلة صحية كان في قطاع تمويل الإسكان، حيث تم التعاون بين القطاع المصرفي والحكومة لتغيير المعادلة. لا يمكن للقطاع العام أن يكون الخيار الأول للتوظيف، إذ إن هذا سياق جريانه يرفع التكاليف الثابتة ولا يساعد على الإنتاجية. لا بد أن يكون التقليل المنظم للوافدين جزءا أساسيا من الحل. العلاقة بين الإنتاجية والتطوير المهني وتقليل الوافدين وهيكلة التعليم منظومة واحدة.
إن هذه الدوائر تقدم إطارا لإعادة النظر في كثير من التحديات التنموية والمسائل الاقتصادية التي لن يحلها عروض الاستشاريين، لكنها ليست جدولا وقائمة أعمال لكل جهة تنفيذية. الدائرة الأولى تربط بين الدولي والوطني، والثانية تهيئ للمكون الوطني، والثالثة تصف آلية حراك المكون الوطني.
وما يجمع هذه الدوائر الثلاث هو إعادة التفكير في المنظومة الاجتماعية وأولوياتها التنموية والاقتصادية في مستوى معين ومن ثم هيكلة تدوير المال في المنظومة الداخلية ليكون محركا وممكنا للفعاليات الاقتصادية في الصناعة أولا والخدمات المعلوماتية بغرض التصدير والتنافس بين المواطنين لترتفع الإنتاجية في مستوى آخر. فمثلا هناك حديث كثير عن التعليم، لكن هذا لن يضيف كثيرا إلى الإنتاجية إلا إذا أصبح خيط القيمة المضافة في المجتمع والتنافس الصحي واضحا للعامة، المثالية في الطرح عن التعليم لن تكون بديلا عن رفع كفاءة المعاهد الفنية وتوظيفهم برواتب تعادل متوسط خريجي الجامعات. المهني المحترف هو لب الأعمال التي تضيف قيمة مستدامة. لا بد لإعداد المهنيين وكفاءتهم ومداخيلهم أن تكون أهم من أغلب خريجي الجامعات على الأقل مرحليا لحين نقل وتمكين المجتمع فنيا واقتصاديا.
نقلا عن الاقتصادية