ضرائب الكبار.. والاحتكارات المتغلغلة

20/06/2021 0
د. خالد رمضان عبد اللطيف

في قلب معركة الضرائب بين الاقتصادات الكبرى والشركات متعددة الجنسيات، والتي تتجه إلى مرحلة الحسم برعاية دولية غير مسبوقة، يتساءل البعض عن دور محتمل للضرائب في تفكيك احتكار الحيتان للأسواق العالمية، فيما يعتبر البعض أن هذه الضرائب ما هي إلا مجرد مسكّن موضعي، وحل مؤقت لمعضلة السنين؟، والأكثر أهمية هو معرفة كيف سيتأثر المستهلكون بالضريبة؟ وهل ستقوم الشركات بترحيل الأزمة إلى زبائنها؟.. لا شك أنها أسئلة مشروعة تبحث عن إجابة شافية.

عندما نتأمل الاجتماع الأخير لمجموعة السبع والقرارات التي وصفت بالتاريخية، فيجب ألا ننخدع أو نتوهم أشياء على غير الحقيقة، حيث لا تعدو كونها قمة أخرى من نوعية قمم دولية كبرى سابقة، وعلينا أن نتذكر اجتماعات شهيرة سعت إلى مكافحة الاحتباس الحراري والتغير المناخي، وأخذت زخماً إعلامياً كبيراً، وخلقت إحساساً متوهماً لدى البعض بالتقدم في حل القضية، إلا أن الواقع يشهد بأن التغير المناخي لا يزال مشكلة كبرى تؤرق العالم.

ما يحدث الآن شيء مشابه، فمن خلال التركيز الشديد على الضرائب، وجدت الدول طريقة سهلة للادعاء بأنها اتخذت إجراءات حاسمة في مواجهة التهرب الضريبي للشركات، ولكنها تدرك جيداً أن النتائج لن تكون كبيرة على المدى البعيد، إذ لا تكفي الضرائب وحدها لتقليم أظافر عمالقة التكنولوجيا، ولهذا، ستفضل الشركات طأطأة الرؤوس حتى مرور عاصفة الإصلاحات الضريبة.

في مرحلة تاريخية سابقة، استفادت الشركات متعددة الجنسيات من مزايا النظام الضّريبي الدولي عندما كان لها مقر وزبائن في مكان واحد، لكن استخدام قانون للضرائب صدر في القرن التاسع عشر لا يصلح للاستعمال في اقتصاد القرن الواحد والعشرين.. لا شك أنه أمر فاشل بامتياز، ويبدو لنا أن التوافق الأخير لوزراء مالية مجموعة السبع الكبرى ما هو إلا مجرد وخزة أو اختراق مرحلي ليس بالضخامة التي يصورها البعض، ببساطة لأن الهيكليات الضريبية لشركات التكنولوجيا الكبيرة تعد الأكثر تعقيداً في العالم.

عندما ننظر للمسألة بعمق أكثر، سندرك أن المشكلة الحقيقية تكمن في سطوة الاحتكارات المسيطرة على السوق، ولهذا، فإنه من المستحيل تطبيق لوائح ضرائبية تحد من نفوذ الاحتكارات المتغلغلة بجرة قلم، أو تكون كافية في المواجهة، فالضرائب الباهظة لن تفعل شيئاً عند التعامل مع أغنى شركات العالم، إذ ستتحرك هذه الشركات للتحايل على القانون وتحديد الثغرات، والأولى تركيز الجهود على كبح نفوذ الشركات الهائل، وتأثيرهم الطاغي في عوالم السياسة والقانون والاقتصاد والإعلام.

إذا، يبدو لنا أن الحل الأمثل يكمن في تفكيك الاحتكارات السوقية وليس الاكتفاء بفرض الضرائب، ففي تسعينيات القرن الماضي، عندما بدا أن هيمنة "مايكروسوفت" على السوق أصبحت معضلة كبرى، واجهت الشركة دعاوى قضائية عديدة بتهمة الاحتكار، وتكبدت غرامات قياسية، بل إن عملاق التكنولوجيا الأمريكية كادت أن تتفكك إلى شركتين مختلفتين، وعندما يُسمح للشركات بنمو هائل تصبح من خلاله قادرة على القضاء على منافسيها بيسر وسهولة، فإن هذا الأمر يؤدي إلى خنق المنافسة ويمنع الابتكار على المدى الطويل. 

 

خاص_الفابيتا