أصدر البنك المركزي السعودي «ساما»، الخميس الماضي، تقرير الاستقرار المالي 1442 الموافق 2021. وهو تقرير سنوي بلغة مهنية مبسطة. ويستعرض كل تقرير مؤشرات السلامة في النظام المالي السعودي، ويعطي تقييما للمخاطر الداخلية والخارجية المحتملة على القطاع المالي السعودي ونظامه. وتزيد أهمية هذا التقرير في وقتنا بالنظر إلى ما نشهده من أوضاع لا تخفى على الجميع.
التقرير في نحو 60 صفحة موزعة على سبعة أبواب. الأول، يستعرض التطورات الاقتصادية وأسواق المال عالميا، استعراضا يتناول آفاق النمو والمخاطر وأثر كورونا في الصناعات التحويلية والخدمات في العالم. والباب الثاني، للتطورات المالية والاقتصادية الكلية المحلية في القطاع الخاص وفي مالية القطاع الحكومي، أي: المالية العامة. أما الأبواب الثالث والرابع والخامس، فمخصصة لتطورات القطاع المصرفي وقطاع التأمين وشركات التمويل. وهذه الثلاثة تحت إشراف البنك المركزي مباشرة. والباب السادس، لتطورات سوق الأصول والسوق المالية وما اتخذته هيئة السوق المالية من إجراءات لمواجهة تداعيات جائحة كورونا. وأخيرا الباب السابع، لاستعراض تطورات الأطر التنظيمية المتعلقة بعمل البنك والسياسات المالية. وفي هذا الباب جرى استعراض إجراءات البنك المركزي لحماية الاستقرار المالي.
عرفت المؤسسة الاستقرار المالي بأنه: "حالة يتميز فيها النظام المالي بالثقة بعدم حدوث انقطاع كبير أو اضطرابات في أدائه". وتبعا لهذا التعريف فمن المهم أن تتوافر في النظام المالي في أي دولة القدرة على تحمل الصدمات وإنجاز العمليات المالية وتوفير خدمات الوساطة المالية والاستثمارية بأقصى كفاءة ممكنة.
الاقتصاد العالمي:
شهد العالم العام الماضي تراجعا في النشاط الاقتصادي. والسبب معروف جائحة كورونا وما تبعها من إجراءات طوارئ وتدابير تحد من انتشار الفيروس. إجراءات وتبعات جعلت الاقتصاد العالمي يصاب بحالة انكماش واضحة وزيادة في العاطلين لم يشهد مثلها منذ عشرات الأعوام. بل إن بعض النشاطات شهدت حالة انهيار. ومعروف أن الدول اتخذت تدابير تيسير مالية بهدف تخفيف تضرر الناس قدر ما يمكن. وطبعا تفاوتت الدول في قدراتها ومهاراتها في اتخاذ وتطبيق هذه التدابير. لكن لهذا التيسير المالي ثمن. فقد زاد خطر تكون ضعف في النظام المالي العالمي. وهي مخاطر موجودة من قبل مع تراكم الديون العامة في أغلب الدول.
بدأ هذا العام على أمل تحسن الاقتصاد العالمي. لكن مخاطر ظهور موجات جديدة من كورونا أضعفت الآمال المعقودة على مستوى التحسن. وجاءت مخاطر احتمال حصول موجات تضخم عالميا في المستقبل القريب، خاصة مع تدابير لزيادة كبيرة في الإنفاق الحكومي الأمريكي التي أعلنها الرئيس الأمريكي بايدن أخيرا. وهذه الزيادة ستجلب زيادة كبيرة في كمية الدولارات في مستويات التضخم عالميا.
الاقتصاد المحلي:
على الصعيد الاقتصادي المحلي، العام الماضي، شهد الاقتصاد انكماشا بسيطا. خفف من قوة تأثير كورونا استجابة الدولة للتخفيف من حدة الفيروس.
أظهر القطاع المصرفي المحلي مرونة تشغيلية ومالية في مواجهة الظروف التي صنعتها الجائحة. بل نما الائتمان المعطى من القطاع المصرفي نموا كبيرا. وكان النمو ملحوظا أكثر في قروض الأفراد العقارية. كما شهد الائتمان المعطى للمنشآت الصغيرة نموا واضحا. وساعدت إجراءات الحكومة الداعمة على تحقيق هذا النمو. كما ساعدت على الحد من ارتفاع نسبة القروض المتعثرة في القطاع المصرفي. بلغ معدل التعثر في العام الماضي 2.2 في المائة مقارنة بمعدل 1.8 في المائة في العام الذي قبله.
ما زالت السيولة وافرة. وأسهمت سياسات البنك المركزي في هذه الوفرة. لكن ربحية البنوك انخفضت في العام الماضي 2020. كما زادت المخصصات التي أثرت سلبا في الربحية. لكن من المتوقع تحسن الأوضاع بوضوح هذا العام. هذا التحسن مدفوع بتحسن الوضع الاقتصادي والتوسع في تقديم اللقاحات وما نشهده من إصلاحات وتطورات اقتصادية هيكلية تحت رؤية 2030.
أشار التقرير إلى نمو القطاع التأميني الصحي، مقابل انخفاض أقساط التأمين على المركبات للعام الرابع على التوالي.
من أهم التطورات في العام الماضي الموافقة على نظام البنك المركزي السعودي. وساعدت هذه الموافقة البنك على تمكينه من أداء مسؤولياته تجاه المحافظة على الاستقرار النقدي والمالي ودعم النمو الاقتصادي محليا. كل هذا خفف من تأثيرات الجائحة.
التطورات في النظام المالي السعودي باختصار: حافظ قطاع المصارف، وهو أكبر مكونات القطاع المالي، على مستوياته العالية من حيث رأس المال والسيولة. والفرصة متاحة لفتح مزيد من البنوك تحت الضوابط والأنظمة القائمة. تتركز مخاطر المصارف التجارية في المملكة على الائتمان، لكنها مخاطر تحت السيطرة عموما، وتقابل بأصول جيدة. القروض المتعثرة دون حدود الخطر، لحسن إدارة مخاطر الائتمان. والانكشاف الخارجي للمصارف السعودية محدود، من الجهتين؛ الإقراض والاقتراض. عموما: اعتمد البنك المركزي على مجموعة واسعة من الإجراءات الاحترازية لضمان الاستقرار المالي في القطاع المصرفي قدر المستطاع. باختصار، تقرير الاستقرار المالي إضافة رائعة من البنك المركزي في موضوعه.
نقلا عن الاقتصادية