التوطين حسب حجم المنشآت والوظائف القيادية

17/05/2021 1
عبد الحميد العمري

تعد خطوة إيجابية جدا، تلك الخطوة المتمثلة في بدء تفويض تنفيذ برامج التوطين للأجهزة الحكومية حسب النشاطات الاقتصادية المختلفة، التي بدأت بها وزارة الموارد البشرية أخيرا، وهي الخطوة التي ستحدث نقلة نوعية وملموسة في توطين الوظائف في منظور الفترة المقبلة - بإذن الله تعالى -، وهي تشابه إلى حد كبير الوضع الراهن لإشراف البنك المركزي السعودي على جوانب التوظيف في قطاعي البنوك وشركات التأمين، وأظهرت تجربته نجاحات لافتة طوال الأعوام الماضية، ففي القطاع البنكي وصل معدل التوطين أعلى من 94 في المائة حتى نهاية 2020، بينما ارتفع معدل التوطين في قطاع التأمين من 54.8 في المائة بنهاية 2016 إلى أن بلغ 75.5 في المائة بنهاية 2020، وتزامن منجز ارتفاع معدل التوطين في القطاع طوال تلك الفترة مع ارتفاع نسبة استحواذ العمالة الوطنية على الوظائف القيادية، حيث ارتفع من 27.1 في المائة بنهاية 2016 إلى نحو 65.2 في المائة بنهاية 2020.

إنها خطوة إيجابية طالما تمت المطالبة بها طوال الفترة الماضية قياسا على نتائجها الإيجابية التي ظهرت على أرض الواقع، وخير شاهد عليها ما تحقق حتى تاريخه من تقدم ملموس في قطاعي البنوك وشركات التأمين، ويؤمل أن تترجم المقترحات الأخرى: (1) تأسيس برنامج لتوطين الوظائف القيادية والتنفيذية في منشآت القطاع الخاص، وأن تتركز الخطوات الأولى من تنفيذه على المنشآت العملاقة ثم الكبيرة خلال الأعوام الخمسة الأولى من فترة تنفيذه، ولاحقا يمكن البدء بتنفيذه على المنشآت المتوسطة، ثم بقية المنشآت الصغيرة والأصغر حجما إذا اقتضت الحاجة إليه في نهاية الأعوام العشرة المقبلة.

(2) أن تتركز برامج التوطين بصورة أكبر على المنشآت العملاقة والكبيرة خلال الأعوام الخمسة المقبلة، ويتم رفع معدل التوطين الواجب عليها تدريجيا حتى يصل إلى 70 في المائة بنهاية الفترة (الآن يقدر بنحو 28 في المائة)، ثم التركيز على المنشآت المتوسطة خلال الفترة نفسها، وبخطوات متدرجة حتى يصل معدل التوطين الواجب عليها إلى 35 في المائة بنهاية الفترة (الآن يقدر بنحو 24 في المائة).

معلوم أن الالتزام بتنفيذ برامج التوطين من قبل منشآت القطاع الخاص، قد يحمل معه تكاليف إضافية على ميزانيات تلك المنشآت في بدايات التنفيذ، وسرعان ما تتقلص تلك التكاليف في أعوام تالية مع ارتفاع مهارات وخبرات العمالة الوطنية، ويقتضي استقرارا وظيفيا لأرباب العمل والعمالة الوطنية على حد سواء، وهو الأمر الذي ستصب عوائده غير المنظورة في الأجل القصير، في مصلحة الاقتصاد الوطني في الأجلين المتوسط والطويل بكل تأكيد.

من هذا المنطلق يرى أن تتركز برامج التوطين بصورة أكبر على المنشآت العملاقة والكبيرة التي يتوافر لديها القدرة الإدارية والمالية بصورة أكبر بكثير من بقية المنشآت المتوسطة والصغيرة والأصغر حجما، وبناء عليه تم اقتراح الخطوتين المشار إليهما أعلاه (تركز التوطين حسب حجم المنشآت، توطين الوظائف القيادية والتنفيذية)، ووفقا لأحدث البيانات عن أعداد المنشآت في القطاع الخاص، وتوزيع العمالة - وطنية، وافدة - حسب حجم العمالة في منشآت القطاع الخاص، فقد وصل إجمالي عددها إلى نحو 648.2 ألف منشأة، وفقا لبيانات التأمينات الاجتماعية بنهاية الربع الأول 2021، وبلغ عدد المنشآت التي يعمل فيها 200 عامل فأكثر إلى 4155 منشأة (0.6 في المائة من إجمالي عدد المنشآت)، بينما بلغ إجمالي العمالة المشتغلة فيها نحو 8.1 مليون عامل، وبلغ عدد العمالة الوطنية منها أكثر من 1.8 مليون عامل، بمعدل توطين بلغ نحو 22.8 في المائة، مقابل نحو 6.3 مليون عامل وافد.

ويقدر أن تتجاوز أعداد العمالة في المنشآت العملاقة والكبيرة سقف 3.2 مليون عامل، أي ما تصل نسبته إلى 40 في المائة من إجمالي العمالة في منشآت القطاع الخاص، ويقدر معدل التوطين فيها بأعلى من 28 في المائة (0.91 مليون عامل سعودي)، وهو ما يشكل أقل من نصف العمالة الوطنية العاملة في منشآت القطاع الخاص.

وبحال تم الأخذ بمقترح تركز التوطين حسب حجم المنشآت، وتوطين الوظائف القيادية والتنفيذية حسبما تم إيضاحهما أعلاه خلال الأعوام الخمسة المقبلة، فإن سياسات الإحلال هنا، وفقا لهذين المحددين ودون النظر إلى ما سيتوافر من وظائف جديدة خلال الفترة نفسها، من شأنه أن يوفر نحو 1.3 مليون وظيفة أمام العمالة الوطنية الباحثة عن فرص عمل مجدية، وسيسهم بدوره - بافتراض عدم زيادة حجم سوق العمل - في ارتفاع معدل التوطين إلى أعلى من 38 في المائة بنهاية الأعوام الخمسة المقبلة، وبالطبع قد يأتي أدنى من هذا المعدل بحال ارتفع حجم سوق العمل.

هذا يعني أيضا ارتفاع أعداد العمالة الوطنية في القطاع الخاص إلى أعلى من 3.1 مليون عامل بنهاية الفترة، وسيسهم بصورة ملموسة جدا في خفض معدل البطالة إلى مستويات أدنى بكثير من وضعه الراهن، بل سيسهم حتى في انخفاضه عن المعدل المستهدف خلال الفترة نفسها.

إنها المقترحات التي تأخذ بعين الاعتبار أن برامج التوطين قد أصبحت تحت مظلة آلية تفويض الأجهزة الحكومية ببرامج توطين القطاعات الاقتصادية الخاضعة لرقابتها، وفي الوقت ذاته الأخذ بعين الاعتبار القدرة الإدارية والمالية على تحمل تكلفة التوطين في بداية الالتزام به، وتتوافر بصورة أكبر لدى المنشآت العملاقة والكبيرة قبل غيرها من بقية المنشآت المتوسطة والصغيرة والأصغر حجما، وهي أيضا تحتل المرتبة الأولى في سلم رغبات الباحثين عن عمل من المواطنين والمواطنات، لما تمتاز به من مزايا تنافسية أكبر مقارنة بغيرها من حيث الأجور المدفوعة والتدريب وبقية المزايا الممنوحة للعمالة.

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية