إصلاحات وتطوير رؤية 2030 .. لا سقف لطموحاتها

26/04/2021 0
عبد الحميد العمري

أنهى الاقتصاد الوطني عامه الخامس من مسيرة رؤيته المستقبلية 2030، حاملا كثيرا من المكتسبات المسجلة في جانب الإصلاحات الهيكلية والتطوير التي لعبت أدوارا عديدة في ثباته واستقراره تجاه كثير من المتغيرات المحلية والدولية، كان آخرها ما واجهه الاقتصاد العالمي بأكمله خلال العام الماضي، من تفشي الجائحة العالمية لكوفيد - 19 مخلفة وراءها صدمات عديدة على جميع اقتصادات وأسواق دول العالم المعاصر، برز في وجهها اقتصادنا الوطني وقد تحصن بعديد من ثمار الإصلاحات الهيكلية، التي بدأها فعليا في نيسان (أبريل) 2016، ومكنته من التصدي لتداعيات الأزمة العالمية لتفشي الجائحة، بل حمل على كاهله قيادة دول مجموعة العشرين التي تولى رئاسة دورتها بالتزامن مع تفشي الجائحة العالمية، محققا بذلك نجاحا مزدوجا على المستويين المحلي والدولي.

كان من أهم ما تم إنجازه، على سبيل المثال لا الحصر، حزمة الإصلاحات العملاقة على مستوى المالية العامة، وما أثمرت عنه من تعزيز كبير للإيرادات غير النفطية، بزيادتها نحو ثلاثة أضعاف عما كانت عليه قبل الإصلاحات، ما أسهم بدوره في منح المالية العامة كثيرا من المتانة والاستقرار تجاه التذبذبات المستمرة لأسواق الطاقة العالمية، وهو ما أسهم بنسبة كبيرة في الحد من تداعيات وآثار صدماتها على الأداء الاقتصادي عموما، ومنح مزيدا من القدرة والخيارات الكافية لمصلحة المالية العامة، للوفاء بمسؤولية المحافظة على استقرار الإنفاق الحكومي عند مستوياته اللازمة لدعم الاقتصاد الوطني، واقتران كل ذلك بمزيد من سياسات الإنفاق الكفء والمرشد، والالتزام التام بمبادئ الحوكمة، والعمل المستمر على محاربة كل أشكال الفساد، ما أبقاه عند متوسط 36.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة 2016 - 2020، بإجمالي إنفاق حكومي تجاوز 4.9 تريليون ريال، مقارنة بمتوسط 35.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة 2011 - 2015، بإجمالي إنفاق حكومي بلغ 4.76 تريليون ريال، وكل ذلك حدث رغم انخفاض الإيرادات النفطية مقارنة بين الفترتين بنسبة 47.8 في المائة، وفي الوقت ذاته نجحت المالية العامة بالتزامن مع رفع الإيرادات غير النفطية بنسبة فاقت 136.4 في المائة، إضافة إلى تخفيف صدمة انخفاض الإيرادات النفطية، نجحت أيضا في تجنب الاعتماد المفرط على كلٍ من السحب من الاحتياطات المالية والدين العام محليا ودوليا (نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي 32.5 في المائة بنهاية 2020)، كما تم إحكام السيطرة على العجز المالي سنويا حيث لم يتجاوز طوال الفترة 2016 - 2020 نسبة 11.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بنسبته الأعلى التي وصل إليها في 2015 التي بلغت نحو 14.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

يمكن في ضوء ما تقدم ذكره على مستوى المالية العامة، أن يتصور المراقب في غياب تلك الإصلاحات الواسعة والشاملة، كم كان سيكون حجم الدين العام؟ وما الخيارات البديلة الأكثر إيلاما وتأثيرا في الاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء، التي تم تجنبها - بحمد الله - طوال الفترة الماضية؟ إنها ولا شك مقارنة بالمخرجات الراهنة الأقل تأثيرا، والأكثر جدوى في الأجل الطويل، كانت تعد خيارات قاسية على المستويات كافة، وهو الأمر الذي تم تجنبه تماما، بفضل الله، ثم بفضل خيارات الإصلاحات الهيكلية التي تم العمل بها طوال الفترة الماضية.

كما أن رؤية المملكة 2030 وهي تدخل عامها السادس على التوالي، وبعد الانتهاء من الثلث الأول من فترتها المخطط اكتمالها في نهاية 2030، أن الاقتصاد الوطني يتأهب لخوض الثلثين المتبقيين بطموحات أكبر بكثير، تناهز طموحاتها على مستوى الإنفاق نحو 27.0 تريليون ريال، تشمل الإنفاق الحكومي بنحو 10.0 تريليون ريال، والإنفاق الاستثماري من القطاع الخاص بنحو 5.0 تريليون ريال، ونحو 4.0 تريليون ريال تحت مظلة الاستراتيجية الوطنية للاستثمار، إضافة إلى ضخ صندوق الاستثمارات العامة 3.0 تريليون ريال، وإنفاق استهلاكي خاص يتوقع بلوغه 5.0 تريليون ريال خلال الفترة نفسها، ما يشير إلى قفزات مرتقبة للاقتصاد الوطني عموما، والقطاع الخاص خصوصا خلال الأعوام العشرة المقبلة، يؤمل - بتوفيق الله تعالى - أن تثمر عن معدلات نمو متصاعدة على المستويات كافة، وتحقق كثيرا من منجزات زيادة تنويع قاعدة الإنتاج المحلية، وزيادات ملموسة في عدد فرص العمل بأعلى من 1.1 مليون فرصة عمل جديدة، حسب التقديرات الأولية، والانتقال بواقع الاقتصاد الوطني الراهن إلى آفاق واسعة الخيارات والفرص.

كل هذا يحدث للاقتصاد الوطني خلال الفترة الراهنة، وتأهبه لخوض غمار الأعوام العشرة المقبلة، في الوقت ذاته الذي يشاهد خلاله كثير من الاقتصادات إقليميا ودوليا لا تزال تصارع لأجل البقاء بالنسبة لجزء منها، وجزء آخر تجده ما زال عاكفا على محاولات الخروج من أوضاعه المتعثرة السابقة، ولهذا يشاهد تطلعات كثير من الاقتصادات المتقدمة والعملاقة نحو زيادة وتنويع أشكال الشراكة بينها وبين الاقتصاد الوطني، ولا غرابة في ذلك قياسا على التجارب السابقة، والأدوار الإيجابية التي أسهمت بها المملكة في دعم استقرار الاقتصاد العالمي عموما، وأسواق الطاقة خصوصا، ما منحها كثيرا من الموثوقية والمصداقية العالية جدا على مستوى تعاملاتها كافة مع الأطراف الدولية والإقليمية، ومساهمتها الدؤوبة لأجل المحافظة على استدامة نمو الاقتصاد العالمي، وزيادة ازدهار التجارة الدولية، وتعزيز استقرار مختلف الأسواق العالمية، وعلى رأسها أسواق الطاقة والمال وأسعار الصرف الدولية.

 

نقلا عن الاقتصادية