فرص وتحديات سوق العمل المحلية 2021 - 2025 «4»

21/04/2021 0
عبد الحميد العمري

أختتم الحديث في الجزء الرابع حول "فرص وتحديات سوق العمل المحلية" خلال الأعوام الخمسة المقبلة، فإضافة إلى ما تقدم التأكيد عليه في المقالات الماضية، "1" أهمية إدخال "نوعية" الوظائف حسب التأهيل العلمي في صميم برامج التوطين، حيث بلغت نسبة حملة الشهادة الجامعية فأعلى منهم نحو 54.5 في المائة من إجمالي المتعطلين، وترتفع النسبة إلى 90.3 في المائة من الإجمالي إذا أُخذ في الحسبان حملة الشهادة الثانوية فأعلى. "2" إزاء توقعات عدم كفاية النمو المتوقع للقطاع الخاص "4.6 في المائة خلال الفترة 2021 - 2025" لامتصاص الأعداد الكبيرة من طالبي العمل من خلال إيجاد وظائف جديدة لهم، فلا بد من الاعتماد بدرجة أسرع وأكبر على إحلال الوظائف، والأخذ في الحسبان أن يتم البدء بالمنشآت العملاقة والكبيرة قبل غيرها من المنشآت المتوسطة والأصغر حجما. "3" الأهمية القصوى لإقرار برنامج خاص لتوطين الوظائف القيادية والتنفيذية في منشآت القطاع الخاص وفق خطة زمنية متدرجة لا تتجاوز خمسة أعوام، تبدأ بإلزام المنشآت العملاقة والكبيرة، ثم يشمل في أعوام تالية المنشآت المتوسطة والصغيرة.

"4" تأتي أهمية التركيز على زيادة جهود برامج التوطين في الهيئات والمؤسسات الحكومية الخاضعة لنظام التأمينات الاجتماعية، حيث يلاحظ أن أعداد العمالة الوافدة خلال 2018 - 2020 ارتفع في تلك الهيئات والمؤسسات من نحو 29.5 ألف عامل وافد بنهاية 2018 إلى 73.5 ألف عامل وافد مقابل نمو للعمالة المواطنة نسبته 23.6 في المائة، حيث يلاحظ أن معدل التوطين في هذه الهيئات والمؤسسات كان عند 88.5 في المائة بنهاية 2018، إلى أن استقر عند 79.12 بنهاية 2020.

وبناء عليه، لا بد من استمرار العمل المتكامل على مستوى التوظيف لدى تلك الهيئات والمؤسسات الحكومية من جانب، ومن جانب آخر وزارة الموارد البشرية، الذي يستهدف تحسين جهود التوطين في جميع القطاعات، ومن ضمنها تلك الهيئات والمؤسسات الحكومية، وتحقيق معدلات التزام أفضل في هذا الجانب التنموي والحيوي، خاصة على مستوى توطين الوظائف المتعلقة بأعمال السكرتارية أو مديري مكاتب المسؤولين أو النسخ، وأن يتم إحلال الكوادر الوطنية المؤهلة محل العمالة الوافدة في الأعمال التي يمكن للعمالة المواطنة القيام بها، وحصر التعاقد مع العمالة الوافدة في أضيق الحدود.

ويمكن الوفاء بهذه المتطلبات بسهولة أكبر مما سبق، خاصة بعد أن أصبحت جميع أطراف جهات التوظيف في القطاعين الحكومي والخاص ضمن مسؤولية جهة حكومية واحدة "وزارة الموارد البشرية"، والتعامل مع هذه المتغيرات بقدرة وكفاءة وسرعة، يمكن في ضوئها أن تقوم وزارة الموارد البشرية بتعاون الهيئات والمؤسسات الحكومية، وضمن جهود متكاملة للتوطين، بالعمل المشترك على معالجة سياسات التوظيف والتوطين، وتحقيق الانسجام والمواءمة اللازمة للمنظومة الأكبر للجهود الحكومية الهادفة إلى رفع معدلات توطين الوظائف في كل من القطاعين الحكومي والخاص، خاصة في ظل الظروف الراهنة التي تحمل تحديات أكبر بكثير مما تحمله كفرص للتوظيف، وفي ظل وجود معدلات بطالة مرتفعة جدا بين صفوف المواطنين والمواطنات، خاصة لدى حملة الشهادات الجامعية فأعلى.

أمامنا جميعا خلال الأعوام الخمسة المقبلة فرص اقتصادية عملاقة جدا، لم يسبق أن توافرت لاقتصادنا الوطني، يمكن الاعتماد عليها - بعد توفيق الله، واقتناص تلك الفرص الواعدة والعملاقة، وتوظيفها بكل الإمكانات والموارد المتاحة الآن ومستقبلا، وبالاعتماد الأكبر على مواردنا البشرية الوطنية أكثر من أي عنصر آخر، لأجل تحقيق المستهدفات الاستراتيجية متوسطة وطويلة الأجل لرؤية المملكة 2030.

إن التحولات الراهنة، التي شهدها الاقتصاد الوطني عموما، والقطاع الخاص خصوصا، والمتوقعة مستقبلا بكل ما تحمله من تغييرات جذرية في هيكلة الاقتصاد الوطني، وضعت ضمن أول أهدافها الاستراتيجية، أن الاعتماد الأكبر في خضم تلك الجهود والتحولات، سيكون منصبا بدرجة أساسية على الإنسان السعودي كمورد بشري مؤهل، وهو الأمر الذي سخرت لأجله الدولة - أيدها الله - تريليونات الريالات طوال العقود الماضية، ودعمت بموجبه قطاعات التعليم العام والعالي ومؤسسات التدريب والتأهيل المهني والفني كافة، ولم يبق سوى توظيف تلك الموارد البشرية الوطنية المؤهلة، ومنحها الفرص كاملة قبل غيرها من العمالة من خارج الحدود، لأجل المساهمة في النمو المستدام للاقتصاد الوطني، وتحقيق المستهدفات التنموية المحددة، ما سيسهم بدوره - إجمالا - في تحقيق درجات متقدمة لاقتصادنا ومجتمعنا، حسبما حددت أهدافه رؤية المملكة 2030، وهو الأمر الذي تقع مسؤولياته على كاهل الجميع "الحكومة، القطاع الخاص، والمجتمع"، ولا يمكن أن يتحقق إلا بتكامل وتضافر جهود تلك الأطراف كافة، بدءا من المستويات التنفيذية المسؤولة في جميع الأجهزة الحكومية، مرورا بأرباب منشآت القطاع الخاص، وصولا إلى أفراد المجتمع، ذكورا وإناثا، وهو أيضا ما عملت القيادة الرشيدة - أيدها الله - على تسخير الموارد والإمكانات والطاقات المتوافرة لأجله، ولم يبق أمام هذه الممكنات العملاقة إلا أن تتقدم خطى لتحقيق المنجزات الملموسة على الطريق الطويل، وأن تترجم فعلا قبل القول على أرض الواقع عاما بعد عام، ولا عذر لأي طرف من الأطراف قد يقع منه تقصير أو تأخير، خاصة في ظل التقدم القياسي لبرامج الإصلاح والتطوير، التي أنجزت خلال أقل من أربعة أعوام مضت، وأصبحت مثالا مشرفا لبلادنا في واجهة المجتمع الدولي.

 

نقلا عن الاقتصادية