التحول في مجال الطاقة لن يغني العالم عن النفط

04/03/2021 0
د. نعمت أبو الصوف

تقول شركات النفط الكبرى وبعض المحللين، إن أزمة جائحة كورونا قد سرعت الجدول الزمني لذروة الطلب على النفط، في حين تعمل السياسات الحكومية على تسريع التحول في مجال الطاقة. ويعتقد معظم المختصين في الصناعة والمحللين أن ذروة الطلب على النفط ستحدث في مرحلة ما بين نهاية هذا العقد والنصف الأخير من العقد المقبل في وقت أقرب مما كان يعتقد قبل الوباء.

ويذهب البعض إلى أكثر من ذلك، مثل شركة بريتيش بتروليوم التي تقول: إن العالم ربما يكون قد تجاوز بالفعل ذروة الطلب على النفط. بمعنى آخر أن استهلاك النفط قد لا يتعافى أبدا إلى مستويات ما قبل الجائحة. ومع ذلك، قال الرئيس التنفيذي للشركة، في منتدى الطاقة الهندي ضمن فعاليات أسبوع سيرا CERAWeek في تشرين الأول (أكتوبر)، إن "بلوغ ذروة الطلب على النفط لا يعني نهاية النفط. سيظل النفط موجودا لفترة طويلة جدا جدا".

من جانب آخر، تتوقع "أوبك" أن يتجاوز الطلب العالمي على النفط مستويات ما قبل الوباء في عام 2022 وأن ينمو باطراد حتى أواخر عام 2030، سيبلغ الذروة في أواخر العقد المقبل، في تحول كبير في توقعاتها التي وضعت جدولا زمنيا لذروة الطلب على النفط. يأتي تنبؤ المنظمة الوارد في تقريرها السنوي لعام 2020، في ظل تنامي عدد من التوقعات الأخرى أن الجائحة ربما تمثل نقطة تحول لذروة الطلب على النفط. ومع ذلك، خفضت المنظمة توقعاتها للطلب طويل الأجل من توقعات عام 2019 بأكثر من مليون برميل يوميا، وتوقعت أن يرتفع الطلب العالمي على النفط من 99.7 مليون برميل يوميا في 2019 إلى 109.3 مليون برميل يوميا في عام 2040 ثم ينخفض بشكل طفيف إلى 109.1 مليون برميل في اليوم في عام 2045.

بغض النظر عن موعد حدوث ذروة الطلب على النفط، لن يتوقف العالم عن استخدام النفط، وأي انخفاض سيكون تدريجيا فقط، رغم الرغبات غير الواقعية لناشطي البيئة أن تتوقف شركات النفط الكبرى (وأي شركة نفطية) عن ضخ النفط فورا وتترك العالم يعمل على الطاقة الخضراء.

الحقيقة هي أنه حتى التحول في نظام الطاقة سيحتاج إلى كثير من الطاقة التي تعمل بالوقود الأحفوري لبناء البنية التحتية اللازمة لدعم التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة. الطلب على النفط باق لعقود مقبلة، حتى لو كان العالم يتحرك نحو زيادة كهربة قطاع النقل وحصة متزايدة من مصادر الطاقة المتجددة في مزيج توليد الطاقة. ذروة الطلب على النفط، بعد كل شيء، تعني أن الطلب العالمي سيتوقف عن النمو، وليس أن يتوقف العالم عن استهلاك النفط.

في الأعوام المقبلة، من المتوقع أن يؤدي التعافي العالمي من الوباء إلى تعزيز الطلب على النفط وأسعاره من ناحية. من ناحية أخرى، يمكن أن يؤدي انهيار الاستثمارات نتيجة الوباء في إمدادات النفط الجديدة الضرورية لتعويض تراجع الإنتاج من حقول النفط الناضجة إلى إحداث فجوة في العرض وسط طلب قوي على النفط. وقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار النفط في وقت مبكر خلال عامين أو ثلاثة أعوام من الآن.

على سبيل المثال، ستعمل "بريتيش بتروليوم" و"رويال دويتش شل" على خفض إنتاجهما النفطي كجزء من تعهداتهما بخفض صافي الانبعاثات لعملياتهما الإنتاجية إلى الصفر. في الوقت نفسه تركز شركات النفط الكبرى في أوروبا على الطاقة المتجددة، بما في ذلك شحن المركبات الكهربائية، الطاقة الشمسية وطاقة الرياح البحرية، الهيدروجين واحتجاز الكربون. لكن العالم سيظل بحاجة إلى النفط في عام 2030 عندما تخطط شركة بريتيش بتروليوم لخفض إنتاجها من النفط والغاز بنسبة 40 في المائة. حتى لو بلغ الطلب على النفط ذروته بحلول عام 2030، فإن الاستهلاك العالمي سيستقر فقط ولن ينخفض. إذا لم تقم شركة بريتيش بتروليوم بضخ النفط الذي يحتاج إليه العالم، فسيتعين على شركة أخرى أن تقوم بذلك، لأن العالم سيحتاج على أقل تقدير إلى الكمية نفسها التي احتاج إليها في عام 2019، أي نحو 100 مليون برميل في اليوم.

كما ستحتاج الاقتصادات الناشئة النامية في آسيا إلى مزيد ومزيد من النفط حتى لو بدأ الطلب على الوقود من المركبات الخفيفة في الاقتصادات المتقدمة في الانخفاض، بسبب الحصة المتزايدة من المركبات الكهربائية في أسطول النقل. الطلب على النفط لوقود النقل لا يمثل سوى جزء واحد -ولنكن أكثر دقة الثلث- من إجمالي استهلاك النفط العالمي. من المتوقع أن تحل المركبات الكهربائية محل بعض الطلب على النفط على البنزين والديزل في الاقتصادات المتقدمة. لكن التفضيل المتزايد لسيارات الدفع الرباعي غير الكهربائية، التي تستهلك في المتوسط أكثر من 20 في المائة من الطاقة أكثر من سيارة متوسطة الحجم للمسافة المقطوعة نفسها، ألغى تماما التخفيض المقدر لعام 2020 في الطلب على النفط بسبب ارتفاع حصة المركبات الكهربائية، حسب التقرير الشهري لوكالة الطاقة الدولية لشهر كانون الثاني (يناير). حيث أدى النمو في سيارات الدفع الرباعي في الولايات المتحدة، الصين وأوروبا بالكامل إلى تعويض الانخفاض البالغ 40 ألف برميل يوميا في الطلب على النفط نتيجة ارتفاع مبيعات السيارات الكهربائية.

هناك اتجاه واضح لتفضيل سيارات الدفع الرباعي، ورغم وجود عروض سيارات دفع رباعي كهربائية، إلا أن حصة سيارات الدفع الرباعي الكهربائية يجب أن ترتفع إلى أكثر من 35 في المائة بحلول عام 2030 إذا كان العالم سيتحول إلى مسار يتماشى مع الأهداف المناخية لاتفاقية باريس، حسب وكالة الطاقة الدولية. في العام الماضي، شكلت مبيعات سيارات الدفع الرباعي التي تعمل بالوقود الأحفوري ما يقرب من 97 في المائة من مبيعات سيارات الدفع الرباعي العالمية.

رغم أن قطاع النقل البري أدى إلى نمو الطلب على النفط في العقد الماضي، إلا أن نمو الطلب في العقد المقبل سيكون مدفوعا بالبتروكيماويات. ستستمر الاقتصادات الناشئة في احتياجها إلى كميات متزايدة من النفط، وسيحتاج الاقتصاد المطلوب إلى بناء البنية التحتية لتحول نظام الطاقة أيضا إلى الوقود الأحفوري. بالفعل، لن يستغني العالم عن النفط وسيبقى يوفر مزيدا من إمدادات الطاقة بأكثر كثيرا من مصادر الطاقة المتجددة، حتى في 2045. إن الحقائق تشير إلى أن العالم، خاصة الدول الناشئة والنامية ما زالت تعتمد إلى حد كبير على النفط والغاز، حتى الفحم، ما يؤكد استمرار إمدادات النفط مستقبلا.

نعم في نهاية المطاف، ستبدأ الاقتصادات الأكثر اعتمادا على الطاقة المتجددة في تآكل الطلب العالمي على النفط، لكنه سيكون تراجعا مطولا خلال عقدين أو أكثر من الآن. في الوقت نفسه، إذا استمر الاستثمار المنخفض لتعويض الإنتاج من حقول النفط الناضجة، فقد يؤدي ذلك إلى حدوث فجوة في العرض، وإفراط في تشدد السوق، ويؤدي بالتالي إلى ارتفاع أسعار النفط.

 

نقلا عن الاقتصادية