امتدادا للحديث عن الأهمية القصوى لإقرار لائحة تتولى الإشراف والرقابة على سلوكيات السوق العقارية المحلية، وأن ما صرح به وزير العدل في اللقاء التلفزيوني قبل أمس على القناة السعودية، حول التقدم المنجز على طريق المبادرة برقمنة الثروة العقارية المقدّرة بأكثر من 100 مليون وثيقة عقارية، وما تم إنجازه منها بنحو عشرة ملايين وثيقة عقارية حتى الوقت الراهن، وما تمهده هذه المبادرة بإطلاق البورصة العقارية التي ستسهم منصتها الرقمية في ضمان دقة المعلومات، ومزيد من الثقة في الصكوك المتداولة وسرعة تبادلها، يمكن التأكيد بعد اقتراب موعد تنفيذ هذه البورصة خلال العام الجاري، على ارتفاع أهمية إقرار هذه اللائحة المتعلقة بسلوكيات السوق العقارية، وأنها ستضيف عاملا بالغ الأهمية لا يمكن إغفاله، سيزيد من كفاءة عمل البورصة العقارية، ويحقق لها رصيدا مرتفعا من الرقابة والشفافية، ويكفل الوفاء بالقدر اللازم والكافي على مستوى حماية حقوق الأطراف كافة.
وهو الأمر الذي أكده وزير العدل في حديثه الأخير، حول ما ستسهم به مبادرة رقمنة الثروة العقارية، وتمهيدها كبنية تقنية تحتية نحو تنفيذ مشروع البورصة العقارية، ومساهمتها في معالجة عديد من الإشكاليات السابقة المتعلقة ببعض الصكوك التي شابها إما أخطاء وإما مخالفات متعلقة بجرائم فساد، ووفقا للتوجيه الكريم الصادر من المقام السامي بعدم إلغاء أو وقف أي صك عقاري مستند مخطط تنظيمي معتمد، مع مساءلة المساهم في وقوع مثل هذا الخطأ، سواء كانت مسؤولية جنائية أو مدنية أو تأديبية، والرجوع إلى الشخص الأول الذي أسهم في إصدار هذا الصك دون حسني النية من الذين وصل إليهم التداول بطريقة صحيحة.
إننا باتجاه واقع مستقبلي متقدم جدا للسوق العقارية المحلية، يجب الوصول أو الانتقال إليه، وقد أسقطت السوق عن كاهلها أثقال تشوهاتها وما عانته طوال عقود مضت، التي يأتي في مقدمتها اتساع رقعة المضاربات المحمومة على الأراضي السكنية تحديدا، وما تضمنته من ممارسات غير عادلة ومخالفة، سبق الحديث عنها بما تنطوي عليه في الأغلب منها، على أشكال عديدة من الاحتيال أو التدليس أو التلاعب، وما يتبعها من ترويج ونشر واسع جدا للشائعات عبر مختلف وسائل الاتصال المعاصرة، تسعى إلى تحقيق كثير من الغايات المخالفة للمصلحة العامة للاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء، بل إنها قد تتمادى إلى التسبب في إلحاق كثير من الأضرار الجسيمة بمقدرات البلاد والعباد، يأتي في مقدمة تلك الغايات المخالفة رفع الأسعار السوقية للأراضي وتضخيمها بصورة غير مبررة اقتصاديا وماليا، ثم فرضها كواقع مضلل على واقع تعاملات السوق بصورة أوسع نطاقا، بالاعتماد على ترويج ونشر الشائعات عبر مختلف وسائل الاتصال المعاصرة، واصطناع صورة مضللة منها على نطاق واسع جدا، بما يوفر لها إمكانية فرض منطقها غير المستند إلى حقائق فعلية على معطيات السوق العقارية، رغم أنها في الأصل تولدت نتيجة ممارسات غير عادلة، وفي الوقت ذاته يتم التغييب شبه التام للمؤشرات الأساسية للاقتصاد الكلي، ولا يصبح لها أي تأثير على أي قرارات يتم اتخاذها في السوق.
وسبق استعراض أكبر وأبرز المخاطر الاقتصادية والمالية والاجتماعية المترتبة على تفشي مثل تلك الممارسات في السوق، وأنها تمتد إلى التأثير سلبيا على التنمية المستدامة، وهو ما يتجاوز بمسافات كبيرة المخاطر المماثلة لها في السوق المالية، التي تحظى بوجود لائحة لسلوكيات السوق فيها، إضافة إلى غيرها من اللوائح التنفيذية الأخرى في خصوص بقية جوانب عمل السوق، وهو الأمر الذي تعلو أهمية وجوده على مستوى السوق العقارية المحلية، وعلى مستوى بورصتها المتوقع تدشينها خلال العام الجاري، وهو العامل الأهم الواجب توفيره للبورصة العقارية، دعما وضمانا لرفع كفاءة عملها، ورفع الموثوقية القانونية الواجبة في جميع وثائقها وصكوكها التي يتجاوز عددها سقف الـ 100 مليون وثيقة حسبما صرح به وزير العدل، والمقدر أن قيمتها السوقية بالأسعار الراهنة تتجاوز التريليونات من الريالات.
كما أنه سباق مع الزمن نحو التقدم والتطوير ببيئة عمل السوق العقارية المحلية، وعملا لا يتوقف نحو توظيف مكتسبات هذه السوق الضخمة نحو مصلحة الاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء، وبما يعزز بصورة كبيرة من مساهمتها في التنمية الشاملة والمستدامة، فلا بد أن يقترن به في الوقت ذاته سباقا لا تقل سرعته عن كل ما تقدم على طريق العمل على حماية هذه السوق وبورصتها المزمع تدشينها من أي مخاطر محتملة، وسيكفل الوفاء بجميع متطلباتها سواء عبر لائحة سلوكيات السوق العقارية، أو غيرها من اللوائح النظامية الأخرى اللازمة، حماية أكبر لمقدرات الاقتصاد الوطني والمجتمع، قبل أن تتوافر للسوق العقارية وبورصتها الرقمية، وهي العوامل التي لا بد من اكتمالها مجتمعة، ولا يمكن تحقيق التقدم والنجاح والإنجاز المطلوب إلا بتوافرها مجتمعة، وهو بالتأكيد الجانب المهم الذي لا حاجة إلى التذكير به لدى الأجهزة الحكومية ذات العلاقة، إنما يأتي الحديث عنه تأكيدا ومساندة لجميع الجهود الوطنية الكبيرة التي يتم بذلها في هذا الاتجاه، وهو الدور المسؤول الواجب الوفاء به من قبل المختصين وذوي العلاقة على مستوى الإعلام، وبما يحقق تكاملا واسعا بين الأطراف كافة، تستهدف جميعها الوصول إلى كل ما فيه تحقيق مزيد من النمو والتطور للاقتصاد الوطني، وبما يلبي تطلعات القيادة الرشيدة - أيدها الله -، وبما يلبي في الوقت ذاته احتياجات أفراد المجتمع كافة.
نقلا عن الاقتصادية