في هذا المقال نواصل نقل أفكار الكتاب، الفكرة الخامسة: الانحياز نحو تاريخ التجربة الشخصية. فتجربة الفرد الشخصية تشكل غالبا واحدا على مليون أو أقل مما يحدث في العالم، لكنها تشكل نحو 80 في المائة من اعتقاده بما يحدث في العالم. فلو كنت مولودا في 1970، فقد شهدت ارتفاع سوق الأسهم الأمريكية عشرة أضعاف في العشرينات من عمرك حين بدأت معرفتك بالمال والاقتصاد. لكن لو ولدت في 1950 لشهدت في العشرينات من عمرك سوقا لم تتحرك. لكن أيضا المكان له دور في تشكيل التجربة، فمن يعيش في مدينة صناعية غير من يعيش في مدينة سياسية أو تجارية أو ريف زراعي. فحين سئل الرئيس كندي عن ذكرياته في الكساد الكبير كانت إجابته: "ليس لدي معرفة مباشرة إذ عشت في بيت كبير وخدم كثير وكنت قادرا على السفر، ما لاحظت أن أبي وظف عدة مزارعين لخدمة حديقة البيت بغرض مساعدة البعض، لكن لم أعرف عن الكساد حتى تعلمت عنه في هارفارد". لذلك ليست هناك دراسة أو ذهن مفتوح يستطيع احتواء تجربة الخوف وعدم اليقين في زمن مضى.
فالناس تدخل الميدان بأفكار عن الاقتصاد مختلفة في نواح كثيرة. الإشكالية أن كل فرد يحتاج إلى تفسير واضح للأوضاع كي يحافظ على توازنه. يصعب التفاؤل كل صباح إذ أول سؤال لنفسك: لا أعرف لماذا يفكر أغلب الناس بهذه الطريقة؟ لأن الناس ينحازون نحو المتوقع المقبول والسياق السهل فهمه، لذلك يوظفون دروس تجاربهم لتكوين نموذج تفكير حول ما يدور في العالم خاصة نحو الحظ والمخاطر والجهد والقيم. الإشكالية أن تجربة الفرد جزء بسيط، لكنهم يصرون على توظيفها في استقراء ما سيحدث في المستقبل، ولذلك تحدث خيبة أمل واضطراب في التفكير وإحباط واستهجان لتفكير الآخرين. ربما ليس غريبا أنه حين حاول فريق اقتصادي معرفة عادة الناس الاستثمارية على مدى قرن، توصل إلى النتيجة التالية: "أن المفاهيم الحالية تعتمد على تجاربهم المباشرة في الماضي".
تذكر هذا الاقتباس حين تناقش أفكار الناس حول المال والاستثمار أو حين تحاول تفهم رغباتهم في الاكتناز أو التبذير وخوفهم وطمعهم في أحيان أخرى، أو حين يصعب فهم تصرفاتهم المالية. الفكرة السادسة: من غير الجيد الاعتماد على المؤرخين لاستقراء مجال يتميز بالإبداع والتغير الدائم. فالجيولوجي أو الطبيب لديهما معلومات محددة لم تتغير من قرون عن أغلب نواحي دراساتهم لكن المالية تختلف. فكثير من المنتجات الاستثمارية أصبحت مهمة لكنها بدأت من عدة أعوام، فمثلا صناديق رأس المال المغامر بدأت تقريبا قبل 25 عاما، لذلك لن يشفع التاريخ كثيرا لدراستها، مثال آخر: مؤشر S&P لم يشمل الأسهم المالية حتى 1976 وتشكل 16 في المائة من المؤشر اليوم، وأسهم التقنية لم يكن لها وجود تقريبا قبل 50 عاما، بينما تشكل اليوم أكثر من خمس المؤشر. بل إن أهم شيء يحرك المال هو القصص والسياقات التي يتداولها الناس ورغباتهم في السلع والخدمات. النجاح مرة لا يقود بالضرورة إلى استمرار النجاح، بل أحيانا يقود إلى المبالغة في الثقة أكثر منه قدرة في قراءة المستقبل. ليس معنى هذا أن التاريخ غير مهم، بل إن أهميته في تفهم دور الطمع والخوف والتصرف تحت الضغط والتفاعل مع الحوافز، إذ إن هذه الخصال مستقرة عبر الزمن، لكن الشركات والقطاعات والعلاقة بين المكونات تتغير حسب درجة التقدم والتقنية.
نقلا عن الاقتصادية