نواصل عرض أفكار الكتاب الرئيسة في هذا المقال، أفكار تحاول حلحلة المؤثرات النفسية التي تشكل تصرفات الناس نحو استثمار الأموال والتعامل معها. الفكرة الثالثة: أغلب ما نعي به يعود للعلاقة مع الآخر. حين يرى الفرد سيارة فارهة نادرا ما يحاكي نفسه أن هذه السيارة جاذبة، لكن يحاكي نفسه بأنه لو ملك السيارة لنظر الناس له بأنه إنسان جاذب بوعي أو دون وعي. تناقض الثروة يأتي أن الرغبة فيها إشارة للآخرين أن يعجبوا بك. يقول الكاتب: إن هذه الظاهرة واضحة وشائعة في كل مستوى دخل وثروة. هناك من يؤجر طائرة واقفة في المدرج لأخذ صورة لمدة عشر دقائق. ليس القصد هنا عدم الاهتمام بالسيارة أو الطائرة، فالرغبة فيهما مقبولة ومشروعة، وإنما حرص الناس على انتباه وجلب احترام الآخرين، بينما التواضع والمعاملة الطيبة والذكاء والتعاطف تجلب أكثر احتراما من السيارات الفارهة.
الفكرة الرابعة: تتمخض في النزعة للتكيف مع الوضع الحالي بطريقة تعوق التعامل مع رغبات المستقبل، خاصة التمكن من تعظيم الاستفادة من ظاهرة التراكم. كل طفل يريد أن يصبح رجل دفاع مدني، لكن حين يكبر يعرف أنها ليست أفضل مهنة، وحين يصبح شابا ربما يطمح إلى أن يكون محاميا، لكن سرعان ما يتعرف على الإعداد والعمل الطويل المتعب وبالتالي يغير رأيه، وحين يصل إلى الـ 60 من عمره يبدأ يعرف أنه لم يوفر بما يكفي لتقاعد مريح. الظروف تتغير ولذلك يصعب أن تقرر على خيارات مستقبلية، بينما رغباتك المستقبلية تتغير. يرادف تغير الرغبات تغير أسلوب وأدوات الاستثمارات، فحين تتغير كثيرا يصعب القياس والمقارنة، ما يسبب هدرا وتغيرا في طبيعة المخاطر والسيولة دون وعي غالبا. هذه التغيرات تأخذنا إلى التراكم، لا تقاطع عملية التراكم دون سبب. حين تقاطع التراكم أو تطوير المهنة أو الاستثمار أو الميزانية لا بد للخطة أن تتغير. الناس تعجب بوارن بافت وجريس "تم ذكرهما في المقال الأول من هذه السلسة" لأنهما استمرا في عملية التراكم لعقود، بينما أغلب الناس لا يريد الاستمرار في العملية نفسها لعقود.
ليس هناك حل مثالي لهذا التحدي لأن الإخلاص لهدف معين ثم التوقف عنه يجر لمتاعب. الواضح من الفكرتين أعلاه أن الانضباط صراع مع النفس والقدرة على وضع المسافة المناسبة بين خياراتك وأهدافك والتعامل مع الاستقرار العاطفي والنفسي والفكري وتقليد الآخرين، مساحات وفضاءات مؤثرة يصعب على المحلل مراجعتها حتى مع المستفيد المباشر، لأنه غالبا يصعب تفهم الحالة الظرفية للفرد. في المقال المقبل نتابع ملاحظات الكتاب على التصرفات والنزعات البشرية نحو إدارة المال والاستثمارات.
نقلا عن الاقتصادية