صدر قرار وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، خلال الأيام القليلة الماضية، معنونا بـ: "توطين المهن المحاسبية"، وهذا القرار تضمن بعض التنظيمات والإجراءات لتعريف التوطين في المهن المحاسبية، ونسب التطبيق، وتضمن دليلا إجرائيا لهذا القرار. القرار في مجمله جيد ويصب في مصلحة مهنة المحاسبة، التي تفتقد التنظيمين المهني والعلمي في المملكة. وهنا أود الإشارة إلى المقال الذي نشرته صحيفة «الاقتصادية» بتاريخ 17 نيسان (أبريل) 2019 بعنوان: "مهنة المحاسبة بين التعليم والتوطين"، والمقال المنشور بتاريخ الخامس من شباط (فبراير) 2020 بالصحيفة ذاتها بعنوان: "مهنة المحاسبة .. التعليم والمهنة وحاجة السوق". وسيتم التطرق لبعض أهم النقاط في المقالين. كما سيتم تحليل صيغة القرار ودليله الإجرائي لبيان واقع المهنة وتطلعات المنتمين إليها.
تضمن القرار توطين ما نسبته 30 في المائة من العاملين في المهن المحاسبية في الشركات أو المؤسسات اعتبارا من 1 / 11 / 1442هـ، في المنشآت التي يعمل بها خمسة محاسبين وأكثر. كما أوردت مقدمة الدليل الإجرائي: "وقد راعى القرار، ظروف سوق العمل في المهن والأنشطة المحاسبية، وكذلك راعى أعداد الباحثين عن عمل من خريجي التخصصات المحاسبية حاليا، وأخذ في الحسبان الدارسين حاليا في التخصصات ذات العلاقة بالمهن المحاسبية الذين سينضمون إلى سوق العمل خلال السنوات القليلة المقبلة، وكذلك واقع القطاع الخاص، وقدرته على استيعاب الكوادر البشرية الوطنية في التخصصات المهنية".
وهنا أتساءل: ألم يراع القرار التطورات الحاصلة في عمل المحاسبين، وتطور التقنيات الحديثة التي ستؤدى إلى خفض أعداد العاملين في المهن المحاسبية؟ وكيف سيتم التعامل مع التطورات التقنية تلك، والخدمات السحابية، والمحاسبة عن بعد؟ المهنة تواجه تطورات هائلة ستجعل من صدور هذا القرار حبرا على ورق.
بالتأكيد الوزارة تملك دراسة عن واقع الشركات والمؤسسات المستهدفة، وأعداد العاملين في هذا القطاعات، والمهن التي يمكن أن يطلق عليها مهن محاسبية وفق التصنيف المهني. يفرض القرار نسبة التوطين على المنشآت الخاضعة للنظام التي يعمل بها عدد خمسة عاملين فأكثر في المهن المحاسبية المعرفة. هذا يعني أن تخفيض عدد العاملين الفعلي إلى أربعة أشخاص والاعتماد على التقنيات الحديثة والعمل عن بعد قد تؤدى إلى تعطيل القرار. كما اشترط القرار الحصول على الاعتماد المهني من الهيئة السعودية للمحاسبين، ولم يوضح أي هيئة يقصدها، فلا توجد لدينا في المملكة جهة تنظيمية لمهن المحاسبين المختلفة. وإن كان المقصود الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين SOCPA فهذه هيئة مختصة بالمراجعة الخارجية، ومن غير المنطقي تحميلها أعباء المهن المحاسبية، في حين ما زال ينتظر أن تحقق المأمول منها.
أوضح الدليل المهن المستهدفة التي شملت 20 مهنة متفرعة من المهن المحاسبية، وهنا أعتقد أن الدراسة احتوت على تعريف كم من هذه المهن ستجتمع في المنشآت، خصوصا تلك المصنفة ضمن نطاق المنشآت الصغيرة والمتوسطة SMES. وفي المثال الذي أورده الدليل الإجرائي لمنشأة يعمل بها 60 موظفا، يشكل شاغلو المهن المحاسبية فيها ما نسبته 36.6 في المائة (22 موظفا)، وهنا أتساءل عن واقعية هذا النموذج ووجوده على أرض الواقع، حيث إن المهن المحاسبية تعد ضمن النطاق الإداري للمنشآت ويمكن ألا تزيد على 9 في المائة إلا في حال كون المنشأة محاسبية صرفة، مثل مكاتب المراجعة، أو المكاتب الاستشارية للمهنة.
رغم سعادتنا عند سماع قرارات التوطين ودعم الشباب السعودي لتولي دوره في المجتمع، إلا أن الناظر لمثل هذه القرارات قد يعتقد لوهلة أن هذه القرارات بعيدة عن الواقع، وليست ذات أثر. وهذا ما نتمنى ألا يتحقق. مهنة المحاسبة بحاجة إلى هيئة مهنية تنظم هذه المهنة وتوابعها، وتوفر لصانع القرار الدراسات الواقعية، وتساعد مؤسسات التعليم على تطوير المهنة، ولعل الوزارة تتبنى ذلك.
نقلا عن الاقتصادية