لماذا تأخرنا في صناعة السيارات؟

15/12/2020 5
د. فواز العلمي

عندما أقر ميثاق برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية في 15 تموز (يوليو) 2017 استبشرنا بدخول المملكة ميدان صناعة السيارات، خاصة أنه تم تكليف البرنامج بتحويل المملكة إلى قوة صناعية رائدة ومنصة لوجستية عالمية في مجالات النمو الواعدة والتركيز على الثورة الصناعية الرابعة، بما يولد فرص عمل وافرة للسعوديين، ويعزز الميزان التجاري، ويعظم المحتوى المحلي.

ومع أن هذا البرنامج الطموح ركز على أربعة قطاعات رئيسة وهي الصناعة، والتعدين، والطاقة، والخدمات اللوجستية، وعديد من الممكنات بما في ذلك تطوير الأنظمة، والتمكين المالي، والأراضي الصناعية، والبنية التحتية، والمناطق الاقتصادية الخاصة، والبحث والتطوير والابتكار، إلا أن صناعة السيارات وقطع غيارها، التي تزيد على خمسة آلاف قطعة وتحتاج إلى ما ينوف عن 190 مصنعا لتصنيعها وتجميعها، لم يتم التركيز عليها بشكل كبير من قبل هذا البرنامج.

وبناء عليه استمرت واردات المملكة من السيارات بتسجيل ارتفاع مطرد، طبقا لأرقام الهيئة العامة للجمارك، بلغت خلال العام الماضي 628135 سيارة بقيمة 45 مليار ريال، مقارنة بنحو 482948 سيارة بقيمة 37 مليار ريال خلال عام 2018. وأضافت الهيئة أن واردات السيارات في السوق السعودية ارتفعت 17 في المائة خلال النصف الأول من العام الجاري، لتسجل 395 ألف سيارة، مقارنة بالنصف الأول من العام الماضي.

والجدير بالذكر أن هنالك فقط ثلاث دول عربية بين أعلى دول العالم تصنيعا للسيارات، حيث أتت المغرب في المركز الـ27 بإجمالي 402 ألف سيارة سنويا، ثم مصر في المركز الـ36 بإجمالي 72 ألف سيارة، وأخيرا تونس بالمركز الـ40 بإجمالي ألفي سيارة. وذلك على الرغم من أن قطاع صناعة السيارات العالمي يتطلب مستويات مرتفعة في جودة المنتجات وكفاءة الإنتاجية والقدرات التنافسية إلى جانب ضرورة تطورها المستمر، الذي يعتمد على المعيار الخاص بإدارة الجودة لموردي قطاع صناعة السيارات والمعروف باسم ISO/TS 16949.

ويحتوي هذا المعيار على مواصفات فنية دقيقة تجمع بين معايير إدارة جودة صناعة السيارات على مستوى العالم، ويحدد المتطلبات الخاصة بعمليات التصميم والتطوير والإنتاج والتثبيت والصيانة الخاصة بالمنتجات المرتبطة بالسيارات، وذلك لتشجيع التطوير في كل سلسلة من سلاسل التوريد وعمليات الاعتماد. وعلى المؤسسات التي ترغب في اقتحام أسواق صناعة السيارات الانتظار حتى تكون على قائمة الموردين المحتملين الخاصة بعملاء قطاع السيارات قبل أن تسير في إجراءات الاعتماد على هذه المواصفات. وتنحصر فوائد هذه المواصفات على حصول المصنع على رخصته التجارية بصفة دولية لتوسيع أعماله، وتطوير سير العمليات بغرض تقليل حجم النفايات وتجنب وقوع الأخطاء، وإثبات القدرة على الامتثال لهذه المواصفات للحصول على أعمال وفرص استثمارية جديدة.

ويلعب المعهد البريطاني للمعايير دورا رياديا في وضع المواصفات العالمية لمصانع السيارات، ويحتل حاليا مرتبة الصدارة في هذا القطاع، ليساعد أكثر من 65 ألف مؤسسة على تطبيق نظم الإدارة في أعمالها وفي الحصول على شهادات اعتماد هذه الأنظمة في 150 دولة.

وقد يرى البعض أن تأخرنا في صناعة السيارات كان في مصلحتنا نتيجة ما شهده هذا القطاع من تغييرات عديدة وجذرية خلال الأعوام القليلة الماضية. فمنذ إطلاق السيارات الكهربائية، حققت سيارة "تيسلا" الأمريكية المرتبة الأولى كأكثر قيمة في العالم، وذلك على الرغم من أن مبيعاتها من هذه السيارات أقل بكثير من مبيعات كبرى شركات السيارات التقليدية مثل "تويوتا" ومجموعة "فولكس فاجن"، وشركة "فورد"، التي تراجعت اليوم إلى المرتبة العاشرة من حيث القيمة السوقية بعد أن كانت قبل أعوام قليلة أكبر شركة لتصنيع السيارات في العالم.

وعلى الرغم من تحديات وباء كورونا خلال العام الجاري، واصلت أسهم شركة تيسلا الصعود بشكل لافت لترتفع قيمتها السوقية الإجمالية مطلع الشهر الجاري إلى أكثر من 520 مليار دولار، لتساوي أكثر من مجموع القيمة السوقية لمعظم شركات صناعة السيارات الكبرى في العالم. ويأتي ارتفاع القيمة السوقية لشركة تيسلا في أعقاب عام لافت لصعود سعر أسهمها، الذي ارتفع 550 في المائة منذ بداية العام الجاري، ليتم تداوله خلال الشهر الجاري بسعر 549 دولارا، فيما كان يساوي 86 دولارا فقط في كانون الثاني (يناير) الماضي. وتزامن هذا الارتفاع في أسهم الشركة مع إعلانها في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي عن أكبر أرباح ربع سنوية لها حتى الآن، حيث سجلت صافي دخل قدره 874 مليون دولار، بزيادة 156 في المائة عن الفترة نفسها من العام السابق.

زيادة شعبية السيارات الكهربائية في الأسواق العالمية بشكل ملحوظ، وتوجهها إلى الاستحواذ على حصة كبيرة من سوق السيارات العالمية، مدعومة بثقة العملاء المتزايدة بهذا النوع من السيارات، جعلتها تنافس عمالقة صناعة السيارات التقليدية في العالم. لذا تراجعت خطوط إنتاج مصانع السيارات التقليدية، التي تركز على التصاميم، وقوة المحركات، وإدخال آخر صيحات الرفاهية، واتخذت مسارا أكثر جدية لتبدأ في صناعة السيارات الكهربائية للحصول على جزء من هذه السوق الواعدة، بعد النجاح الكبير الذي حصدته السيارات الكهربائية.

في الصين قفزت مبيعات السيارات الكهربائية الصينية 35 في المائة خلال الربع الثالث من العام الجاري، لتصل إلى 242 مليون دولار، بزيادة 22.5 في المائة عن الربع الثاني، و21.5 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وارتفع إجمالي إيرادات الشركة 25 في المائة إلى 257 مليون دولار، مقارنة بالعام الماضي.

وخلال العام الماضي بدأت المصانع في التسابق لصناعة السيارات دون سائق باعتبارها السيارة ذات المنظومة الآمنة وتتيح التنقل السريع، ليصبح هذا النوع من السيارات في حالة تسابق ومنافسة لم تشهد لها سوق السيارات مثيلا في السابق.

وتتوقع "بلومبيرج" انخفاض المبيعات العالمية للسيارات التي تعمل بمحركات الاحتراق، مقابل نمو مبيعات السيارات الكهربائية بشكل كبير، لتصل إلى 10 في المائة من مبيعات السيارات عالميا بحلول عام 2025، وترتفع إلى 28 في المائة في عام 2030 و58 في المائة في عام 2040.

علينا البدء فورا في دخول صناعة السيارات بالمملكة ومواكبة التطور التقني المتسارع، من خلال التضامن مع الشركات العالمية، لضمان حصة المملكة من هذه السوق العالمية.

 

نقلا عن الاقتصادية