أُسدل الستار على قمة مجموعة العشرين (G20) يوم الأحد الماضي التي عقدت افتراضياً في مدينة الرياض على مدى يومي (21 - 22) نوفمبر الجاري.
ما مميز هذه القمة عن غيرها من القمم السابقة، إلى جانب أنها عُقدت في ظروف عالمية صحية استثنائية والتي تحولت ظروفاً اقتصادية عالمية صعبة، بسبب تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد في العام الماضي، إلا أنها وعلى الرغم من ذلك خرجت بقرارات ومبادرات حاسمة ومصيرية لصالح دول المجموعة وشعوبها، بما في ذلك دول العالم الأخرى من غير الأعضاء وشعوبها.
وما ميزها أيضاً عن سابقاتها، تركيزها على مواجهة التحديات الراهنة واغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع من خلال التأكيد على بذل قصارى الجهود الرامية إلى حماية الأرواح وتقديم الدعم مع التركيز بشكل خاص على الفئات الأكثر تأثرًا بالجائحة، هذا بالإضافة إلى العمل الجاد على إعادة الاقتصاد العالمي إلى مساره الصحيح نحو تحقيق النمو الشامل والمستدام بما في ذلك الحفاظ على الوظائف وتوفير فرص العمل العادلة للجنسين.
وجاء البيان الختامي للقمة ليؤكد على أهمية تضافر الجهود الدولية الرامية إلى تنسيق الإجراءات العالمية والتضامن والتعاون متعدد الأطراف في الوقت الحالي أكثر من أي وقت مضى لمواجهة التحديات الراهنة، باعتبار أن الجهود الفردية أو حتى الثنائية الدولية لم تثبت جدواها في مواجهة إشكاليات وقضايا ترتبط بتمكين الإنسان والحفاظ على كوكب الأرض وتشكيل آفاق جديدة، والتي ارتكزت عليها قمة الرياض كمحاور رئيسة للقمة، وبحث الحلول المتوازنة لها لكافة دول العالم.
أزمة جائحة فيروس كورونا كانت الحدث الأبرز في التركيز والمناقشة في قمة الرياض، كونها شَكلت تحديات غير مسبوقة على العالم بحصدها أرواح أكثر من 1.3 مليون إنسان وإصابة ما يزيد على 58 مليون شخص على مستوى العالم.
ومن هذا المنطلق، ركزت القمة الافتراضية الاستثنائية التي عُقدت في شهر مارس الماضي والقمة العادية التي عُقدت مؤخراً في الرياض، على حماية الأرواح وتقديم الدعم بشكل خاص للفئات الأكثر تأثرًا بالأزمة. وفي هذا الشأن التزم قادة دول مجموعة العشرين برصد 21 مليار دولار لدعم الجهود الصحية العالمية الرامية للتغلب على جائحة كورونا، وأعلنت المملكة عن تقديم مبلغ 500 مليون دولار لدعم تلك الجهود.
إن التزام دول المجموعة بتعافي الاقتصاد العالمي وإعادته لمساره الطبيعي قبل حلول الجائحة، كان من بين أهم وأبرز القرارات التي تضمنها البيان الختامي، ولعل خير دليل على ذلك التزام الدول بضخ ما يزيد على 11 تريليون دولار للوصول إلى اقتصاد عالمي متعافٍ، هذا بالإضافة إلى الالتزام بتطبيق مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الدين للدول الأكثر تضرراً من الجائحة بمبلغ 14 مليار دولار، ليشمل ذلك تمديدها إلى شهر يونيو 2021.
التوظيف أخذ حيزاً ومساحة مهمة جداً من البيان الختامي للقمة، وتصدر أولويات اهتمامات القادة، ما تطلب معالجة آثار الجائحة الوخيمة على أسواق العمل، سيما أن ملايين من العمال على مستوى العالم تعرضوا لفقدان وظائفهم ومصادر دخلهم، ما استدعى حماية وتعزيز الوظائف اللائقة للجميع، وخاصة للنساء والشباب.
تمكين المرأة أيضاً كان محور تركيز القمة نظرًا إلى أن العديد من النساء قد تأثرن بشكل جسيم بسبب الأزمة، ما تتطلب إلى سد فجوة عدم المساواة بين الجنسين، باعتبار أن المرأة تعتبر محركاً رئيساً للنمو الاقتصادي.
التعليم استحوذ على اهتمام قادة مجموعة العشرين، ما استدعى في ظل الجائحة اتخاذ إجراءات للتخفيف من تأثير فيروس كورونا المستجد على التعليم. وفي هذا الشأن شدد البيان الختامي على أهمية استمرارية التعليم في أوقات الأزمات من خلال تنفيذ تدابير لضمان التعليم الحضوري الآمن والتعليم عن بعد والتعليم المدمج المتسم بالفعالية والجودة، حسب ما تدعو إليه الحاجة.
أخيراً وليس آخراً، البيئة والطاقة والمناخ والحد من التدهور البيئي، والحفاظ على التنوع الحيوي، والاستخدام المستدام للموارد الطبيعية وإصلاحها، والمحافظة على المحيطات، بما في ذلك التشجيع توفر الهواء والماء النظيفين، استحوذت جميع هذه العناصر البيئية والطبيعية على اهتمام القادة ضمن الجهود الدولية الرامية للمحافظة على كوكب الأرض.
دون أدنى شك، إن قمة دول مجموعة العشرين التي عُقدت في الرياض هذا العام، تُعد قمة القمم؛ نظراً للظروف العالمية الاستثنائية التي عُقدت خلالها، والقرارات والمبادرات الحاسمة والحازمة التي أقرت واتخذت وتمت المصادقة عليها بالإجماع في البيان الختامي الذي صدر عن القمة لما هو في صالح الإنسان وكوكب الأرض وتشكيل آفاق جديدة.
نقلا عن الرياض