مرة أخرى تفشل منظمة التجارة العالمية في تعيين مدير جديد لها، لخلافة البرازيلي روبرتو أزيفيدو الذي غادر في توقيت سيئ للغاية.. المنظمة التي أرجأت اجتماعاً كان مقررا الاثنين الماضي لأجل غير مسمى عللت ذلك بتردي الوضع الصحي في بعض دول العالم، وانشغال الدول الأعضاء بمتابعة نتائج الانتخابات الأمريكية، لكن هذا الإرجاء المتكرر سيكون له عواقب وخيمة تهدد بإغراق المنظمة المنوط بها تيسير تجارة العالم في حالة أكبر من انعدام اليقين، وسط جائحة مجنونة لا تبقي ولا تذر.
رغم أنه من المرجّح عجز المدير المقبل للمنظمة، في مواجهة كل التحديات الجسام الراهنة مالم تتعاون معه الدول الكبرى وبخاصة الولايات المتحدة، إلا أن المنصب رفيع المستوى يكتسب أهمية خاصة للاقتصاد العالمي في زمن كورونا، وسواءً أكان المدير الجديد للمنظمة مدعوماً أوروبياً أو أمريكياً، فإن عليه أن يواجه الفوضى الراهنة التي تسببت بها الأطراف المعنية في منظمة التجارة، إذ لم تتفق الدول على اختيار نائب من
نواب المدير السابق الأربعة ليكون المدير الانتقالي، ولذا، يتشارك النواب الأربعة تلك المهمة، وهذا الأمر يجسد بجلاء عجز المنظمة المرموقة.
صحيح أن منظمة التجارة أخطأت بعدم اتخاذ قرارات مهمة منذ فترة طويلة، وبقيت جامدة رغم التغير الديناميكي لمراكز النمو العالمي، إلا أن اندلاع موجة الحروب التجارية ألحقت ضرراً كبيراً بسمعتها ومكانتها الدولية، حتى باتت محصورة في الزاوية بين شقي رحى القطبين الاقتصاديين الكبيرين.. أمريكا التي طالما دافعت عن التجارة الحرة لعقود، وتتجه لتقييدها وخنقها، والصين الراغبة في فتح أسواق جديدة، وتعمل على كسر الحواجز الجمركية أمام سيلان صادراتها الرخيصة.
ولكن، لماذا منظمة التجارة ومديرها العام المقبل مهمان الآن؟، للإجابة على هذا السؤال يكفي نظرة فاحصة على التراجعات الرهيبة في حركة التجارة العالمية، والتي تعد الأسوأ منذ سنوات الكساد العظيم ثلاثينيات القرن العشرين، فقد يصل التقهقر في التبادل التجاري إلى 15 في المائة، وهذا رقم كارثي للنمو والوظائف، كما أن المنظمة باتت بحاجة ماسة إلى فك الحصار الأمريكي على هيئة الاستئناف، ذراعها
القضائي، بالإضافة إلى أنها تواجه هجمات ضارية مشككة في جدوى التجارة الحرة متعددة الأطراف، وليس صداع بريكست سوى قطرة في بحر الحرب التجارية بين الولايات المتحدة وأوروبا والصين.
على غرار المناصب الدولية، يتم تقسيم الأمر بين البلدان الكبرى بشكل مرضي، فعادة ما يكون رئيس صندوق النقد الدولي أوروبياً، أما رئيس البنك الدولي فأمريكياً، في المقابل، لم تعمل منظمة التجارة بهذا العرف الدولي، ولهذا ثار نزاع طويل على نار هادئة حول من يجب أن يترأس هذه المؤسّسة، وحصل اتفاق في عام 1999على أن يتولى شخصان إدارة المنظمة بشكل مشترك، ولكن على ما يبدو فإن هناك الآن إجماعاً واضحاً على أن من يتولى قيادة المنظمة لن يكون من جنسية أي قوة اقتصادية كبرى منخرطة في حرب تجارية، وبالتأكيد لن يكون من الصين أو الولايات المتحدة، والمهم الآن تعجيل الاختيار لتسيير دفة المنظمة واستعادة الثقة الدولية المفقودة.
يتبقى مرشحان فقط لتحسم المنظمة أمرها بينهما، فإما نجوزي أوكونجو، وهي وزيرة سابقة للمالية في نيجيريا ومديرة تنفيذية في البنك الدولي، وإما وزيرة التجارة الكورية الجنوبية يو ميونج هي، ولا شك أن المنظمة
تحتاج إلى قائد لديه خبرة كبيرة بدور التجارة في التنمية بدلاً من بيروقراطي تجاري يفتقد الرؤية الواسعة، وربما تكون المرشحة النيجيرية، التي تخرجت من جامعة هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، الخيار الأفضل لأنها تجمع بين مهارات القيادة السياسية مع كفاءتها كخبيرة تكنوقراط، بالإضافة إلى أن اختيارها سيعطي زخماً لعلاقات المنظمة بالقارة الإفريقية الطامحة إلى التنمية، والمتعطشة للتجارة الحرة.
خاص_الفابيتا