يعد معلوما ما يتسم به الأمر من تحديات جسيمة قد يواجهها أي اقتصاد، خلال الفترات التقليدية، بدءا من سعي الاقتصاد إلى تعزيز نموه الحقيقي وزيادة الوظائف للحد من البطالة، والعمل على الاستدامة المالية وتقليص العجز المالي للميزانية، والسيطرة بكل الوسائل على حجم الدين العام، وزيادة اجتذاب الاستثمار الأجنبي، وغير ذلك من المستهدفات المنشودة اقتصاديا وماليا وتنمويا، وتزداد وتيرة تلك التحديات إذا تزامنت مع خضوع الاقتصاد لعمليات إصلاح وتطوير شاملة، لتأخذ زخما أكبر مما كانت عليه.
وفي حالة نشوء أزمات عالمية كالأزمة العالمية الراهنة، التي يواجه خلالها الاقتصاد العالمي تداعيات بالغة الضخامة والصعوبة كما نتج عن انتشار الجائحة العالمية لفيروس كورونا كوفيد - 19 التي كلفت الحكومات حول العالم حتى تاريخه إنفاق أكثر من 11 تريليون دولار، ويتوقع أن ترتفع تلك التكلفة بنسبة أعلى مع ترقب العالم بأسره بدء الموجة الثانية من انتشار الفيروس، الجاحترازية في المملكة، وحظيت بترحيب وإشادة واسعة من المجتمع الدولي، زاد من وهجها تولي المملكة رئاسة مجموعة الدول العشرين، وقدمت تجربتها كأنموذج يستحق الاحتذاء به من قبل عديد من الدول.
في ضوء ما يمر به العالم اليوم من أزمة بالغة الصعوبة مع الجائحة العالمية لفيروس كورونا كوفيد - 19، كان متوقعا انكماش الاقتصاد السعودي، وارتفاع معدل البطالة، كما أظهرته مؤشرات الأداء حتى نهاية الربع الثاني من العام الجاري، كنتيجة حتمية لتلك الجائحة العالمية للفيروس، شأنه شأن بقية الاقتصادات حول العالم التي اصطدمت بمعدلات نمو سلبية خلال الربع الثاني 2020 كانت الأكبر منذ الكساد الكبير، أسهمت في تخفيف حدة تلك التداعيات، التحفيزات الحكومية السخية التي تم إقرارها بأعلى من 0.25 تريليون ريال لمساعدة الاقتصاد والقطاع الخاص تحديدا على امتصاص تلك الصدمة، ولولاها - بعد عناية الله - لرأينا جميعا معدلات تراجع أكبر، ولاصطدم الاقتصاد بمعدل بطالة يفوق ضعف المعدل الذي صدر عن الهيئة العامة للإحصاء.
ورغم توقعات عدم ارتفاع معدل البطالة خلال الربع الثالث من العام الجاري، واستقراره في أسوأ الحالات عند مستواه المرتفع نفسه الآن، قياسا على عودة أغلب نشاطات الاقتصاد الوطني إلى العمل تدريجيا خلال الربع الثالث الذي سينعكس أيضا على معدل النمو الحقيقي للاقتصاد بتراجع حدة وتيرة الانكماش خلال الربع نفسه بصورة تفوق تقديرات صندوق النقد الدولي، وتوقع أن تستمر وتيرة التحسن في أداء الاقتصاد حتى نهاية العام الجاري، إلا أن كل ذلك مرهون بما قد يطرأ من مستجدات عكسية ترتبط بانتشار الجائحة العالمية التي تعززت كما تظهره التطورات في أوروبا والأمريكتين ووسط آسيا من زيادة أعداد الإصابات بالفيروس، ناهزت الـ 41 مليون مصاب حتى وقت نشر هذا المقال.
كل هذا يؤكد أهمية استمرار سياسات تحفيز وحماية الاقتصاد عموما، ومنشآت القطاع الخاص خصوصا، بل يؤكد أيضا أن تأخذ تلك السياسات وتيرة أعلى وأكبر مما سبق، وذلك لسببين جوهريين: الأول: إن الاقتصاد والقطاع الخاص في المواجهة المتوقعة للموجة الثانية المرتقبة ما زال يعاني آثار الموجة الأولى، وليس على الحال التي كان عليها سابقا حينما اصطدم بالموجة الأولى لانتشار الفيروس. الثاني: إن الموجة الثانية ستكون أكبر كما ذهب إليه أغلب التقديرات. ولهذا ولغيره من أسباب عديدة لا بد من العمل بوتيرة أعلى من السياسات والتدابير المتكاملة التي تستهدف بدرجة أكبر وأوسع تحصين الاقتصاد تجاه تداعيات تلك الموجة، وهو الأمر الذي تتوافر لدينا - بفضل الله - ممكناته والقدرة على تحقيقه.
إن الاستعداد المبكر لأي توقعات غير مواتية، كما هو قائم الآن في مختلف أنحاء العالم، يمثل الخطوة الأولى الأكثر ضمانا وسلامة، وهو ما سبق لتجربتنا الحديثة مع تداعيات انتشار الجائحة أن قامت به مع بدايتها، وأثبتت التجربة صحة وسلامة ما ذهبت إليه في وقت لاحق، رغم ما وصفت به من مبالغة من عديد من الجهات، سرعان ما تأكد للجميع أنها كانت الأصوب والأمثل، وحينما يتكرر الأمر بوتيرة أعلى من العمل المتكامل والشمول كجزء رئيس من هذا الاستعداد المبكر قياسا بالدرجة الأولى على تلك التجربة، فإن ذلك هو القرار الأمثل والأكثر موثوقية بين مختلف الخيارات المتاحة أو المقترحة.