قراءة تطورات سوق العمل المحلية للربع الثاني 2020

05/10/2020 2
عبد الحميد العمري

اقتضت أهمية التطورات التي تضمنتها النشرة الأخيرة لإحصاءات سوق العمل المحلية بنهاية الربع الثاني من العام الجاري، في مقدمتها ارتفاع معدل البطالة إلى 15.4 في المائة، أؤكد اقتضت قراءتها على نحو دقيق، يمكن من خلالها التوصل إلى حزمة من الحلول الكفيلة بخفض ذلك المعدل في الأجلين المتوسط والطويل، وتزيد من كفاءة البرامج الراهنة الهادفة إلى رفع معدل التوطين في القطاع الخاص، وتترجم في الوقت ذاته الجهود والموارد السخية جدا التي قامت الدولة - أيدها الله - بإقرارها وتوفيرها، بالتزامن مع فترة مواجهة الاقتصاد الوطني عموما، وسوق العمل المحلية تحديدا تداعيات انتشار الجائحة العالمية لفيروس كورونا (كوفيد - 19).

بداية؛ يجب التأكيد على الأهمية القصوى للمصدات التي تم إقرارها والعمل بها تجاه الآثار العكسية الناتجة عن انتشار الجائحة العالمية، وعلى سوق الوظائف بالنسبة للمواطنين والمواطنات في القطاع الخاص، شملت بأحزمتها الحمائية أعلى من 1.2 مليون عامل وعاملة من المواطنين، التي لعبت دورا محوريا في تقليص تلك الآثار العكسية في الاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء، ما منع تكرار ما حدث في كثير من أسواق العمل حول العالم، تضاعفت فيها معدلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة في منظور أكثر من خمسة عقود إلى ستة عقود زمنية ماضية.

كان من أبرز ما تضمنته نشرة الإحصاءات الأخيرة، تطوران جوهريان؛ التطور الأول: أن النشرة أوضحت بالنسبة إلى العمالة في الأجهزة الحكومية الخاضعة لنظام التأمينات الاجتماعية، ارتفاعا سنويا قياسيا في أعداد العمالة الوافدة في تلك الأجهزة وصلت نسبته إلى 98.4 في المائة، حيث ارتفع عددها من 30.5 ألف عامل وافد بنهاية الربع الثاني 2019، إلى أعلى من 60.5 ألف عامل وافد بنهاية الربع الثاني 2020. في المقابل لم يتجاوز النمو السنوي للعمالة الوطنية في الأجهزة الحكومية ذاتها خلال الفترة نفسها نسبة 10.8 في المائة، مرتفعة من 236.9 ألف عامل مواطن بنهاية الربع الثاني 2019، إلى أعلى من 262.5 ألف عامل مواطن، أفضت هذه التطورات خلال عام واحد إلى انخفاض معدل التوطين في تلك الأجهزة الحكومية من 88.6 في المائة بنهاية الربع الثاني 2019، إلى أدنى من 81.3 في المائة بنهاية الربع الثاني 2020، وكان لافتا بصورة أكبر أن النصف الأول من العام الجاري، الذي تخلله انتشار آثار الجائحة العالمية، سجل نموا للعمالة الوافدة في الأجهزة الحكومية أعلاه 33.8 في المائة، مقارنة بنمو العمالة الوطنية في الأجهزة الحكومية ذاتها لم تتجاوز 3.7 في المائة خلال الفترة نفسها.

أما التطور الآخر: فكان بخصوص تطورات العمالة في منشآت القطاع الخاص، التي أظهرت ارتفاعا سنويا للعمالة الوافدة تجاوزت نسبته 1.0 في المائة، وارتفاعها خلال النصف الأول من العام الجاري بنسبة فاقت 3.2 في المائة، وسجلت ارتفاعا عدديا في العمالة الوافدة من بداية العام الجاري وصل إلى نحو 208.1 ألف عامل وافد، في المقابل لم يتجاوز النمو السنوي للعمالة الوطنية في المنشآت ذاتها نسبة 0.4 في المائة، بينما سجلت خلال النصف الأول من العام الجاري انخفاضا وصلت نسبته إلى 1.3 في المائة، منخفضة بأكثر من 22.6 ألف عامل مواطن.

لقد حملت تلك التطورات كثيرا من الحقائق التي لا بد من التوقف عندها بصورة جادة، كان من أهمها حقيقتان رئيستان؛ الأولى: أن حظوظ التوظيف سواء خلال عام مضى، أو من بداية العام الجاري الذي تخللت فترته آثار انتشار الجائحة، تبين الإحصاءات أنها جاءت لمصلحة العمالة الوافدة في كل من الأجهزة الحكومية الخاضعة لنظام التأمينات الاجتماعية والقطاع الخاص، فخلال العام الواقع بين نهاية الربع الثاني 2019 ونهاية الربع الثاني 2020 ارتفع عدد العمالة الوطنية بنحو 33.8 ألف عامل، مقابل ارتفاعها للعمالة الوافدة بنحو 97.8 ألف عامل، أي بثلاثة أضعاف حجم ارتفاع العمالة الوطنية! وسيبدو الأمر لافتا بصورة أكبر حال المقارنة بين العمالتين خلال النصف الأول من العام الجاري، الذي أظهر انخفاض العمالة الوطنية في كل من الأجهزة الحكومية الخاضعة لنظام التأمينات الاجتماعية والقطاع الخاص بنحو 13.2 ألف عامل، مقابل ارتفاعها للعمالة الوافدة بأعلى من 223.3 ألف عامل.

يتبين مما تقدم أعلاه، وبناء على ما وثقته النشرة الأخيرة لإحصاءات سوق العمل بنهاية الربع الثاني من العام الجاري، أن حلول التوطين ومعالجة أسباب انخفاضه، إضافة إلى معالجة أسباب ارتفاع معدل البطالة، يجب أن تبدأ أولا من الأجهزة الحكومية الخاضعة لنظام التأمينات الاجتماعية، وثانيا من منشآت القطاع الخاص. وأنه من الأهمية أيضا على أثر ما أظهرته التطورات الأخيرة، أن تتم معالجة أوجه القصور الكامنة في برامج التوطين الراهنة، وأن يتم رفع كفاءتها وفاعليتها لينضم إليها على وجه السرعة برنامج توطين الوظائف القيادية والتنفيذية العليا، كما يتعين على وزارة الموارد البشرية وضع الضوابط والإجراءات اللازمة لزيادة توطين الوظائف في الأجهزة الحكومية المشار إليها أعلاه.

ختاما؛ لا يتجاوز ارتفاع معدل البطالة بوضعه الراهن، سوى كونه أولى نتائج مواجهة الاقتصادات وأسواق العمل مع آثار انتشار الجائحة العالمية لفيروس كورونا، في الوقت ذاته الذي تشير التقديرات الدولية حول التحديات التي سيواجهها مختلف الاقتصادات حول العالم بسبب هذه الجائحة، وغيرها من التحديات المحتملة الأخرى الناتجة عنها، وهو ما يحمل في طياته مزيدا من التحديات الجسيمة، التي تقتضي للتصدي الفاعل تجاهها أن يتم تكثيف العمل والجهود في سوق العمل المحلية، وأن تتحلى بمزيد من الحزم والتشديد على مستوى برامج التوطين، والعمل بالأدوات والموارد المتاحة كافة على منع ارتفاع أكبر لمعدل البطالة، وخفض الاستقدام، وإقرار برامج التوطين اللازمة والحازمة في كل من القطاعين الحكومي والخاص، والتأكيد هنا على أن الأعذار والتبريرات التي دائما ما تصدر من أي جهة كانت بحال تم تقييد اعتمادها على العمالة الوافدة، لا تتجاوز في أهميتها ووجاهتها مهما بلغت حتى عشر الأهمية التنموية الأعلى درجة لرفع معدلات التوطين، والعمل الجاد والمتكامل المفترض اتخاذه لأجل خفض معدل البطالة. والله ولي التوفيق.

 

نقلا عن الاقتصادية