بعزيمة لا تلين، يبدو إصرار أهم مصرف في العالم واضحاً على إبقاء أسعار الفائدة منخفضة بشكل قياسي قرابة الصفر، تحت وطأة متاعب مذهلة تضرب بقوة الاقتصاد الأكبر عالمياً، وسط حالة من الغموض السياسي المتعلق بنتائج الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل، وضبابية التوصل إلى لقاح مرتقب يقضي على الفيروس القاتل بشكل نهائي، ولهذا فإن السؤال الأكثر واقعية الآن يتمحور حول كيفية تعافي الاقتصاد الأمريكي الذي يشكل الاستهلاك فيه أكثر من70%من مقوماته وأرقامه؟، خاصة وأننا في عام يعد الأصعب بكل المقاييس على القوة الشرائية للمستهلكين.
تشير الترجمة الفعلية لنتائج أهم اجتماع بالمطلق هذا العام للفيدرالي الأمريكي، إلى أنه لن يتم رفع أسعار الفائدة قبل عامين من الآن، فيما تستمر عمليات شراء الأصول من سندات وأوراق مالية، ويبدو أننا بصدد تيسير نقدي بلا نهاية، وهنا يجب أن ندرك أنه عندما يكون التضخم أعلى من الفائدة، فإن أموال المودعين تفقد قوتها الشرائية تدريجياً، ولهذا ربط الفيدرالي قراره، المتوقع على نطاق واسع، بأمرين، الأول انتعاش حركة التوظيف والثاني ارتفاع نسبة التضخم إلى 2%، ولهذا فقد تستمر موجة هبوط الدولار مقارنة بالعملات الأخرى، بينما ترتفع أسعار الذهب والنفط، إلا أنه القرار سيسرع من معدلات النمو، ويجعل الاقتصاد أكثر مرونة في تحمل الصدمات.
يستهدف البنك المركزي الأمريكي التلويح بسلاح أسعار الفائدة، عبر إجبار المودعين على سحب مدخراتهم واستثمارها في السوق أو الأسهم والسندات أو غيرها من أدوات الاستثمار لإنعاش اقتصاد متعثر ربما يتقلص بنسبة تفوق 6 في المائة خلال العام الجاري بسبب خسائر الإغلاقات خلال النصف الأول من العام الجاري، ولا شك أن أي ضربة موجعة للاقتصاد الأمريكي، الذي يمثل نحو ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، سينتشر تأثيرها المدمر في الاقتصادات المرتبطة به عضوياً، وهذا سيضع العالم بأسره أمام سنوات صعبة، كما سيتعين على غالبية الأمريكيين مواجهة التدهور المعيشي لبضع سنوات، وبذلك يضعف الطلب الاستهلاكي وتعصف الرياح المعاكسة بالنمو على المدى الطويل.
لم يبق الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة دون تغيير فحسب، بل إنه ذهب إلى أبعد من ذلك فأكد أنها لن تتغير قبل عامين أو ثلاثة، وهذا يعني أن الوضع أسوأ بكثير مما تقرأه مؤشرات الأسهم، وأن البنك الذي ينضوي تحت عباءته 12 بنكا مركزيا فيدراليا موزعا في 12 ولاية أمريكية، يحاول شراء المزيد من الوقت قبل أن يضطر إلى تغيير سياسته النقدية دون الإضرار بالاقتصاد المتباطئ، لذلك لم نشهد عقب القرار ارتفاعا ملحوظاً بالأسهم الأمريكية بالرغم من التسهيلات النقدية، وبشكل عام، فقد استحدث جيروم باول رئيس الاحتياطي الفيدرالي نهجاً جديداً في تاريخ البنوك المركزية، يعتمد على "استهداف متوسط التضخم"، مما سيسمح بتسارع التضخم لما فوق 2 في المائة، وهذا يعني بقاء معدلات الفائدة عند مستويات منخفضة لفترة أطول، إلا أن الفيدرالي سيظل معتمداً بقوة على الكونجرس والإدارات الحكومية للحفاظ على سياساته النقدية الداعمة للنمو، وخاصةً عندما تتقاطع مسارات السياسة المالية والإصلاحات الهيكلية التي تعزز الإنتاج، وتحقق الأمان الاقتصادي للأسر الأمريكية التي تعد عماد الانفاق الاستهلاكي في أكبر اقتصاد عالمي.
خاص_الفابيتا