مجلس الشورى ووزارة الموارد البشرية .. اعزما على الأمر

07/09/2020 2
عبد الحميد العمري

نشر عديد من وسائل الإعلام المحلية خبرا بالغ الأهمية لسوق العمل حول اقتراب مجلس الشورى من الموافقة على تعديل الفقرة الثانية من المادة الـ 26 في نظام العمل، التي تعنى بتحديد نسبة السعوديين في منشآت القطاع الخاص، والتركيز بدرجة أعلى على ضرورة توطين الوظائف القيادية في القطاع الخاص بما لا يقل عن نسبة 75 في المائة، وحسبما ورد في الخبر المتداول إعلاميا أن توصية المجلس جاءت بهدف تقليل مستويات استحواذ العمالة الوافدة على نسبة كبيرة من المناصب العليا والوظائف القيادية في القطاع الخاص، بل لقد وصل إلى شبه الاستحواذ الكامل في عدد من القطاعات المحورية في الاقتصاد الوطني الذي تجاوز حدود التهديد الحقيقي لبرامج ومبادرات التوطين، ووقعت آثاره السلبية على عوامل بقاء واستمرار العمالة المواطنة في العمل، وأدى إلى ارتفاع معدلات تنقلهم من عمل إلى آخر، وارتباط ذلك بحرمان الموارد البشرية المواطنة الشابة في الأجلين القصير والطويل من اكتسابهم الخبرات الوظيفية اللازمة في مجالات عملهم، ودور ذلك الخلل في حرمانهم من ترقيهم لمناصب أفضل في منشآت القطاع الخاص.

لقد كان هذا الملف التنموي والحيوي من أكثر ملفات سوق العمل المحلية الذي طالما تمت مناقشته وبحثه عبر مختلف المنصات الإعلامية محليا، وعبر ورش العمل العديدة التي عقدت في عديد من المواقع الرسمية والمناسبات المشتركة، لكن لم تجد - مع الأسف - أي تقدم إلى الأمام بأي خطوة ملموسة، وأعتقد جازما أن الاهتمام الأخير من قبل مجلس الشورى بهذا الملف، وتحوله كما نأمل جميعا إلى حقيقة على أرض واقع سوق العمل المحلية في أقرب وقت ممكن، من شأنه أن يحدث نقلة بالغة الأهمية لبرامج ومعدلات التوطين على حد سواء، ويسهم خلال أعوام قليلة جدا في خفض معدل البطالة بين القوة العاملة المواطنة، لماذا؟

يوجد في هذه المنطقة المحصنة تماما من أغلب برامج التوطين السابقة واللاحقة ما يمكن تسميته بشريحة العمالة الوافدة المسيطرة على صناعة واتخاذ القرار في منشآت القطاع الخاص التي لا يمكن أن تترك مساحة لأي منافسة لها من الموارد البشرية المواطنة، وهي أيضا المنطقة الأعلى حصولا على الأجور والمزايا المالية المجزية، وهي أيضا المنطقة التي صعب الوصول إليها من قبل كثير من الموارد البشرية المواطنة، رغم أهليتها وكفاءتها المطلوبة، ولهذا تجددت الاقتراحات والمطالب طوال الأعوام الماضية بضرورة إقرار برنامج خاص بتوطينها، ووضع ضوابط شديدة الحزم على ملاك منشآت القطاع الخاص للالتزام التام بها، والعمل بكل الإمكانات المتاحة على سد جميع المنافذ المحتملة للتهرب من الالتزام أو عدم التنفيذ، وتم الحديث طوال تلك الأعوام السابقة عن كثير من الآثار العكسية المحتملة، إذا ما استمرت وتصاعدت تلك السيطرة من قبل العمالة الوافدة على المناصب العليا والقيادية، ولم تأت الاستجابة إلا أخيرا كما أوضحته الأخبار الصادرة عن مجلس الشورى.

لا بد من اتخاذ القرار الملزم بتبني هذا البرنامج المقترح، وتتكفل وزارة الموارد البشرية بتنفيذه على وجه السرعة، التي سبق الاقتراح عليها لأجل تحقق نتائج مجدية وحقيقية في هذا الشأن، أن تعمل على تفويض جزء كبير من إجراءات التنفيذ والمتابعة والرقابة لغيرها من الأجهزة الحكومية التنفيذية، حسب مسؤولية كل جهاز حكومي وارتباطه بالنشاط الاقتصادي الذي تشرف عليه الذي سيحقق سرعة أكبر في التنفيذ، واقترانه في الوقت ذاته بالقوة الرقابية اللازمة والكافية.

إن تسارع التطورات محليا وخارجيا، وصمود معدل البطالة عند مستوياته المرتفعة الراهنة، والارتفاع الكبير في أعداد الباحثين عن عمل من مواطنين ومواطنات، تحديدا الفئات الشابة، وما اقترنت تلك التطورات به من تحديات تنموية واجتماعية واقتصادية جسيمة الحجم، تقتضي بالضرورة القصوى أن تتحول تلك النقاشات والجدل القائم حول هذه الخطوة المهمة إلى قرارات صارمة وملزمة، وأن لا مجال قد تبقى للتأخر عن إقراره والعمل به وفق أفضل الإجراءات وأسرعها، خاصة بعد تجربة تجاوزت العقد من الزمن مع كثير من برامج التوطين، أظهرت ضعفا شديدا في نتائجها ما انعكس بدوره على استمرار معدل البطالة في الارتفاع، واستمرار أعداد الباحثين عن عمل في الارتفاع، وأخيرا شهدت سوق العمل المحلية عودة وتيرة الاستقدام إلى الارتفاع بعد نحو ثلاثة أعوام من التراجع.

إننا جميعا نشد على يد أعضاء مجلس الشورى في هذا الاتجاه، ونأمل منهم اتخاذ أسرع الخطى في سبيل ترجمة كل تلك التطلعات والآمال، إلى واقع يلمسه عشرات الآلاف من الموارد البشرية المواطنة، وتستجيب لها وزارة الموارد البشرية بالقدر اللازم والكافي على مستوى التنفيذ، وتتكاتف جهود الأجهزة الحكومية ومنشآت القطاع الخاص، وتتركز جميعها في الاتجاه الصائب الذي يترجم هذه الجهود إلى واقع ملموس، يمكننا معه فتح مئات الآلاف من فرص العمل المجدية والمجزية أمام الباحثين والباحثات عن عمل من المجتمع السعودي، الذي سيسهم بشكل ملموس في خفض معدل البطالة، وتحسين مستويات المعيشة، وفي تعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي بمشيئة الله تعالى.

 

نقلا عن الاقتصادية