يمكن النظر إلى ما صرح به أخيرا محافظ الهيئة العامة للمنافسة، في شأن قيام الهيئة بوضع مؤشر لأسعار الأراضي، تنفيذا للتوجيه الصادر إلى الهيئة من المقام السامي مستهدفا هذا المؤشر الجديد الحد من الممارسات المخالفة التي تستهدف التلاعب بأسعار الأراضي التي رأت الهيئة أنها ليست إلا ناتجة عن وجود أشكال عديدة من الاحتكار وعمليات تدوير الأراضي بهدف رفع مستوياتها السوقية دون وجود ما يبرر تلك الارتفاعات السعرية. ووفقا لتصريح المحافظ، فإن وجود المؤشر سيخدم مجتمع المستهلكين في المعرفة الدقيقة لما سيحصلون عليه من خدمات مقابل دفعهم ثمن أي متر أرض يتم شراؤه في أي حي من الأحياء، وأشار في نهاية حديثه إلى أن الهيئة ستقوم برفع نتائج ما توصلت إليه في هذا الشأن التنموي المهم إلى المقام السامي، ومن ثم سيوجه إلى الأجهزة المعنية بالإشراف والرقابة على نشاطات السوق العقارية، في مقدمة تلك الأجهزة الهيئة العامة للعقار.
تعد هذه الخطوة المهمة جدا من الهيئة العامة للمنافسة إضافة نوعية ثقيلة الوزن، كونها ستسهم بصورة كبيرة بعد اعتمادها رسميا ضمن الإصلاحات الجاري تنفيذها لهيكلة السوق العقارية المحلية، في الحد كثيرا من الممارسات المخالفة من احتكار ومضاربات على الأراضي في مختلف المدن والمحافظات التي لعب وجودها وانتشارها في تشوه آليات التسعير، وأحدث تضخما هائلا في الأسعار السوقية، لتصل إلى مستويات سعرية مبالغ فيها، في الوقت ذاته الذي لا ولم تعكس حجم الخدمات والبنى التحتية المتوافرة في مختلف الأحياء السكنية، فقد تجد سعر متر أرض في أحد الأحياء الجديدة التي لم يتجاوز توافر الخدمات فيها أكثر من 10 في المائة سقف الـ 2000 إلى 3000 ريال، وهو أحد التشوهات التي أسهمت بصورة كبيرة في تضخم الأسعار، وغلاء أسعار الوحدات السكنية وارتفاع تكلفتها على كاهل أغلب أفراد المجتمع، وكل ذلك لعب دورا كبيرا طوال أكثر من عقدين من الزمن الماضي في تشكل ووجود مشكلة صعوبة تملك المساكن.
وسبقت هذه الجهود الإيجابية إجراءات وجهود واسعة، بعضها اقترب اكتماله والبعض الآخر ما زال في طريق اكتماله، ومن تلك الجهود التي تتمتع بأهميتها القصوى نظام الرسوم على الأراضي البيضاء في المدن والمحافظات الذي بدأ تنفيذ مرحلته الأولى في أربع مدن رئيسة "الرياض، جدة، حاضرة الدمام، مكة المكرمة"، وينتظر أن يتم استكمال بقية مراحله التنفيذية على وجه أسرع مما هو قائم، ويتم توظيف نتائج المؤشر الجديد لأسعار الأراضي الذي عملت على آليته الهيئة العامة للمنافسة في صميم أعمال تقييم الأراضي البيضاء الخام والمطورة على حد سواء التي يشملها نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، الذي سيكون أكثر دقة من آليات التقييم الراهنة في السوق أو على مستوى الأجهزة الفنية التي تتولى تقييم أسعار تلك الأراضي لدى وزارة الإسكان، الذي سيكون له الأثر الكبير في إحداث الضغط اللازم على ملاك الأراضي المشمولة بالنظام، والدفع بهم إلى ضخها في السوق وتطويرها واستخدامها، لتتحقق وفقا لذلك الأهداف الرئيسة التي لأجلها تم إقرار نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، وهو الأمر الذي تأكد ضعف نتائجه كما سبق إيضاحه في المقال الأخير قبل هذا المقال "نتائج المرحلة الأولى لنظام رسوم الأراضي البيضاء"، حيث لم تتجاوز مساحة ما تم تطويره من الأراضي البيضاء المشمولة بالنظام سقف 11.4 مليون متر مربع فقط، خلال أكثر من أربعة أعوام مضت من عمر تطبيق المرحلة الأولى من النظام، أي ما لم تتجاوز نسبته 2.8 في المائة من إجمالي مساحة الأراضي البيضاء المشمولة بالنظام من إجمالي الأراضي البيضاء البالغ مساحتها 411.5 مليون متر مربع.
إن تضافر تلك الجهود واكتمالها ضمن منظومة العمل الأكبر، التي تستهدف الإسراع بتنظيم وإصلاح هيكلة السوق العقارية المحلية، ستصب نتائجها الإيجابية في الاتجاه الذي يخدم الاحتياجات التنموية الكبيرة للبلاد والعباد، ويلبي في الوقت ذاته احتياجات ومتطلبات أفراد المجتمع على مستوى تملكهم مساكنهم بتكاليف أقل وأكثر عدالة، ودون تحميلهم أعباء مالية كبيرة ترهق ظروفهم المعيشية أعواما طويلة تمتد إلى أكثر من 20 إلى 25 عاما، ودون أن تتسبب في استقطاع نسب مرتفعة من أجورهم الشهرية طوال تلك الفترة، الذي عدا أنه سيسهم في حماية مستوياتهم المعيشية من كثير من الأعباء المالية، فإنه سيسهم أيضا في حماية الاستقرار الاقتصادي المستهدف، ويعزز جانبي الإنفاق الاستهلاكي والادخار للمجتمع والأفراد، الذي سيجني ثمارها بالدرجة الأولى الاقتصاد الوطني عموما، والقطاع الخاص خصوصا، وسيسهم في الأجل الطويل في زيادة قدرات الاقتصاد والمجتمع، ويعزز فرص تنويع قاعدة الإنتاج المحلية، ويسهم في نهضة البيئة الاستثمارية المحلية والاستفادة بصورة أمثل من الفرص الاستثمارية التي يزخر بها اقتصادنا الوطني.
الأهم في كل ما تقدم ذكره، وفيما يرتبط به من جوانب أخرى لم يأت المقال على ذكرها لضيق المساحة، أن تتضافر تلك الجهود وفق آليات تنفيذ أسرع مما هو قائم الآن، نظرا للأهمية القصوى لعامل الزمن، وتتسلح تلك الآليات والمنهجيات بوتيرة أسرع حال تطبيقها والعمل بها، ما سيضاعف قوتها وتأثيرها، وعلى العكس من ذلك فإن التأخير ستكون له آثار عكسية ستؤدي في مجملها إلى إضعاف تأثير وقوة تلك الآليات والإجراءات، وهو ما يجب توخي الحذر الشديد من حدوثه، لا قدر الله.
نقلا عن الاقتصادية