كانت التصريحات السياسية القائمة على التحدي والمناكفات بين الدول الكبرى على أسلحة التوازن الاستراتيجي وتطويرها أو التمركز العسكري بمناطق جغرافية جديدة أو القيام بمناورات عسكرية قرب مكان يعد استراتيجياً لدولة منافسة لها بالإضافة للتصريحات والتهديدات بضرب المصالح الاقتصادية بينهم لكن عندما تقرأ تصريحات الرئيس الأميركي ترمب عن تطبيق تيك توك الصيني لا بد أن تدرك إلى أي مدى تغير عالمنا وما هي الأسلحة والأدوات الجديدة التي باتت الدول تحارب بعضها فيها فهي ببساطة حرب تقوم على التفوق التكنولوجي وتعتقد تلك الدول أن مثل هذه التطبيقات والمواقع ما هي إلا نوع من أنواع التجسس فقبل سنوات منعت الصين موقع جوجل مما اضطر الحكومة الأميركية للتدخل وذهبت في حينها وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون للصين لمناقشة موضوع منع استخدام جوجل داخل الصين وحالياً يقوم الرئيس ترمب بنفس التوجه بمنع تطبيق تيك توك من العمل داخل أميركا وأعطاهم مهلة 45 يوماً إما أن يقفل أو يباع حيث عرضت شركة مايكروسوفت شراء الفرع الأميركي للتطبيق.
وقد يعتقد أن ما يحدث حالياً هو مرتبط بتطبيق أو خلاف حول طبيعته أو أنه يستخدم لأغراض غير تجارية، لكن المتتبع لسياسة الرئيس ترمب اتجاه الصين منذ بداية ولايته قبل حوالي أربعة أعوام يعرف بأن ما يقوم به ما هو إلا استراتيجية تنتهجها أميركا ضد الصين وبذورها قديمة، وتهدف لمنعها من إزاحة أميركا عن قيادة العالم، وذلك بأن تتفوق عليها من حيث حجم اقتصادها لتنتقل بعدها للتفوق السياسي والعسكري، فلم تخفِ الإدارة الأميركية الحالية ولا زعامات أميركية سابقة ولا مراكز البحوث لديهم الخشية من الصين، ومن المعروف أن أغلب ما ينفذ حالياً ضد الصين كاستراتيجيات كان بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأميركي بعهد الرئيس كارتر أحد المخططين لها أي أن المخاوف من الصين قديمة وليست وليدة فترة حكم الرئيس ترمب التي كانت أوضح من فترات من حكموا قبله بإظهار العداء للصين.
فأميركا لديها فائض قوة حالياً قد يمكنها من تحقيق هدفها بإبقاء الصين بالمركز الثاني عالمياً ولكن بنفس الوقت لم تعد المساحة لديها للقيام بكل ما هو ضد الصين واسعة كما كان قبل عقدين أو ثلاثة، فالصين أصبحت منافساً قوياً لأميركا ولديها أيضاً أوراق قوة عديدة وتعمل بهدوء للوصول لهدفها، واستقلالها تكنولوجياً يعد أهم الأسلحة التي ستوصلها لهدفها مستقبلاً، ولذلك نجد أميركا تركز على إضعافها والحد من انتشار تقنياتها عالمياً كما فعلت في حربها ضد شركة هواوي الصينية قبل أكثر من عام وحتى تاريخنا الحالي، فقضية تطبيق تيك توك ما هي إلا ورقة في ملف الصين لدى أميركا وسيكون هناك أوراق عديدة بالمستقبل ولكن إضعاف الصين اقتصادياً لم يعد أمراً يسيراً فلديها قوة استهلاكية هائلة تتمثل بتعداد يصل إلى 1.4 مليار مواطن صيني وهي حالياً تركز على دور المستهلك المحلي لكي يتوازن اقتصادها ولا يتأثر بعوامل خارجية تحد من نموها لأنها تعتمد على التصدير كثيراً وهذا يجعل للقوى المنافسة أميركا والاتحاد الأوروبي تأثير كبير عليها لأنها أكبر الأسواق الخارجية للمنتج الصيني وهي تدرك كيف تستغل هذه الكيانات ذلك بالتهديد بالحروب التجارية عليها فهي تستعجل وضع الحلول لإضعاف هذا الجانب الخطر على اقتصادها ولعل العشرة أعوام القادمة ستكون مفصلية في نجاح الصين أو الغرب بقيادة أميركا في هذه المعركة المفتوحة بين هذه القوى العظمى على سيادة العالم اقتصادياً بالمقام الأول.
حرب غير تقليدية بين أميركا والصين دخلت لمنعطف جديد وستتضح معالمها أكثر ما بعد الانتخابات الأميركية القادمة، ولعل ما لفت الانتباه حالياً هو نوعية الأسلحة التي يحاربون بعضهم بها والتي تعطي مؤشراً إلى أين يتجه العالم وما هي الأسلحة التي يجب أن تمتلكها الدول بجانب الأسلحة التقليدية فغزو دولة لأخرى لم يعد فقط بالجيوش العسكرية بل بالتطبيقات والهجمات السيبرانية وحرب البيانات والغزو الثقافي عبر وسائل عديدة منها تطبيقات التواصل الاجتماعي.
نقلا عن الجزيرة