أصدرت مؤسسة النقد العربي السعودي قبل أقل من شهرين من تاريخه تقرير الاستقرار المالي السادس 2020، الذي يعد من أهم التقارير المالية والاقتصادية الرسمية التي تصدر بشكل سنوي، ويعكس في مضمونه أبرز تطورات مؤشرات الأداء الاقتصادي والمالي المختلفة خلال فترة معينة، ويقوم بتحليل تلك التطورات والآثار والمخاطر المرتبطة بها، بدءا من منظورها العالمي بشكل عام، والتركيز بشكل رئيس على المجالات المحلية من خلال تحليل تطورات كل من: المالية الكلية المحلية، والقطاع المصرفي، وقطاع التأمين، وشركات التمويل، والسوق المالية، وأخيرا الإطار التنظيمي المالي.
فعلى مستوى الاقتصاد العالمي أشار التقرير إلى تزايد مخاطر النمو في كل من الاقتصادات المتقدمة والناشئة على حد سواء طوال 2019، متأثرة تلك الاقتصادات بتراجع نشاط الصناعة عالميا، وزاد من حدتها النتائج العكسية التي تولدت عن احتدام السياسات التجارية الحمائية. وبالنسبة لآفاق الاقتصاد العالمي، فقد تعاظمت المخاطر المرتبطة بمستقبله، متضمنة حالة كبيرة من عدم اليقين نتيجة التأثر بالصدمة الاقتصادية غير المسبوقة من انتشار الجائحة العالمية لانتشار فيروس كورونا كوفيد - 19.
أما على المستوى المحلي، فقد نما الاقتصاد الوطني بمعدل طفيف لم يتجاوز 0.33 في المائة خلال 2019، مقارنة بنموه السابق 2.4 في المائة، ويعزى النمو بشكل رئيس إلى القطاع غير النفطي الذي سجل نموا للعام نفسه بمعدل 3.3 في المائة، ونشاط القطاع الخاص الذي سجل نموا للعام نفسه بلغ 3.8 في المائة، مقارنة بنموه خلال العام السابق بمعدل 1.9 في المائة، ولكون الاقتصاد السعودي جزءا لا يتجزأ من الاقتصاد العالمي، فقد تأثر خلال العام الجاري شأنه شأن بقية الاقتصادات بانتشار الجائحة العالمية لفيروس كورونا، وتوقع أن تؤدي تداعيات انتشاره إلى حدوث ركود وتراجع في معدل نموه السنوي مع نهاية العام الجاري، في الوقت ذاته الذي ركز التقرير على أهمية الإجراءات والتدابير الحكومية التي تم اتخاذها في مواجهة تداعيات انتشار الفيروس، ومن شأنها تخفيف حدة الآثار السلبية الناتجة عن هذه الجائحة العالمية.
وبالنسبة إلى أداء القطاع المصرفي، فقد سجل نموا لافتا خلال 2019 أظهره في ارتفاع إجمالي الأصول، الذي سجل نموه الأعلى منذ 2014 عند 9.7 في المائة، ووصلت نسبة أصول القطاع المصرفي إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 88 في المائة بنهاية 2019، كما ارتفع الائتمان ومستويات السيولة المحلية، وجاء نمو الائتمان مدفوعا بازدياد الإقراض الممنوح للقطاعين الحكومي والخاص على حد سواء، حيث سجل الائتمان الممنوح للقطاع الحكومي نموا سنويا وصل إلى 24.1 في المائة، وبلغ للقطاع الخاص 7.0 في المائة، مقارنة بنموه الأسبق 2.8 في المائة. وقياسا على التوقعات غير المواتية المرتبطة بآفاق الاقتصادين المحلي والعالمي، يتوقع أن يشهد القطاع المصرفي خلال العام الجاري تراجعا في نشاطاته، وانعكاسه سلبا على ربحية القطاع، وتوقعات ارتفاع مستويات التعثر عن السداد، الذي سيكون أثره محدودا في القطاع لما يتمتع به من وضع جيد.
أما بالنسبة لقطاع التأمين، فقد سجلت أقساط التأمين المكتتبة خلال 2019 نموا بلغت نسبته 8.3 في المائة، كان النمو السنوي الأول لها خلال ثلاثة أعوام مضت، ووصل إجمالي الأقساط بنهاية العام إلى 37.8 في المائة، مدفوعا بشكل رئيس من قطاع التأمين الصحي. وأكد التقرير أن القطاع رغم أنه يتمتع بملاءة مالية جيدة، إلا أنه في المقابل لا تزال نسبة خسارته مرتفعة. ويتوقع التقرير تأثر قطاع التأمين سلبيا بانتشار الجائحة العالمية للفيروس، وارتفاع حجم المطالبات الخاصة بالتأمين على الحياة، ما سيؤثر سلبا في ملاءتها المالية، إضافة إلى التأثير السلبي لانخفاض أسعار الفائدة. وفي الوقت الذي لم تشهد أنشطة شركات التمويل تغييرات كبيرة خلال 2019، فقد شهد الإطار التنظيمي والرقابي تطورات إيجابية، حيث ارتفع عدد الشركات المرخصة إلى 38 شركة، بينما سجل إجمالي رأس المال انخفاضا سنويا بلغت نسبته 2.3 في المائة.
ختاما، شهد عام 2019 ارتفاعا قياسيا للقيمة السوقية لمؤشر السوق المالية الرئيسة بلغت نسبته 385.5 في المائة، استقرت مع نهاية العام عند مستوى تسعة تريليونات ريال، ويعزى هذا الارتفاع القياسي إلى الاكتتاب العام الأولي لشركة أرامكو السعودية. وجاءت نهاية التقرير على الجهود التي دأبت مؤسسة النقد على القيام بها، لأجل تحسين وتطوير الإطار التنظيمي المالي ومواءمته للمعايير الدولية، والاهتمام الكبير للمؤسسة تجاه المخاطر المحتملة التي قد تقوض الاستقرار المالي، من أبرزها التقنيات المالية وتهديدات الأمن السيبراني، إضافة إلى جهود المؤسسة بالتنسيق مع المؤسسات الدولية على مستوى المشتقات المالية، والقواعد المنظمة لتسجيل التداول، ومتطلبات تخفيف مخاطر عقود المشتقات المالية غير المدرجة.
نقلا عن الاقتصادية