يبدو أن شركات التوصيل والنقل بدأت تدريجياً في توسيع نطاق أعمالها من سيارات الأجرة وتوصيل المأكولات. فأنهت «أوبر»، خلال الأسابيع الماضية، صفقة الاستحواذ على شركة «بوست ميت» بنحو 2.65 مليار دولار، وهي صفقة توضح أن «أوبر» بدأت بالفعل بتوسيع نطاق محفظتها الاستثمارية. والشركة المستحوذ عليها تختص بتوصيل الطلبات من المواقع الإلكترونية إلى العملاء، وقد سبق لـ«أوبر» محاولة الاستحواذ على شركة مماثلة، وهي شركة «جراب هوب»، إلا أن منافستها الأوروبية «جست إيت» تمكنت من الاستحواذ عليها بمبلغ زاد على 7.3 مليار دولار. والجديد في هذه الصفقات هو توجه هذه الشركات التي عرفت بتقديم خدمات النقل من خلال سيارات أجرة غير تقليدية، إلى خدمات مختلفة، مثل توصيل المأكولات في «أوبر إيت»، والآن إلى مفهوم أكثر شمولية للخدمات اللوجستية بالاستحواذ على شركات تقدم خدمات توصيل الطلبات من المواقع الإلكترونية إلى المستهلكين.
وقد عانت «أوبر»، وكثير من الشركات المماثلة لها من انخفاض حاد في المبيعات خلال أزمة «كورونا»، بسبب التزام الأغلبية بالتباعد الاجتماعي، ولكن مبيعات «أوبر» لخدمة توصيل المأكولات زادت بنسبة 54 في المائة خلال الثلاثة أشهر الأخيرة للسبب نفسه. ومع أن «أوبر» لم تكن بحاجة إلى هذا الموقف لمعرفة ضرورة تنوع المحفظة الاستثمارية، إلا أن تعرضها لهذه الأزمة قد يكون المحفز لها للإقدام على هذا الاستحواذ.
ولم تحقق «أوبر» أي أرباح منذ إنشائها حتى هذه اللحظة، فهي تستهدف وبشكل أساسي النمو وكسب المزيد من الحصص السوقية وزيادة مبيعاتها. وقد عانت كثيراً في ذلك، لا سيما مع تعرضها للإيقاف في الكثير من المدن (مثل لندن). ومع كل الصيت الذائع والنجاح الباهر لـ«أوبر»، إلا أنها فعلت كل ذلك دون أن تحقق أي سنة ربحية. وقد سجلت «أوبر» خسائر في عام 2019 بنحو 8.5 مليار دولار. إلا أن مبيعاتها زادت في تلك بنحو 28 في المائة، وحققت عوائد زادت على 18 مليار دولار، كما زاد عدد السائقين المتعاقدين معها بشكل كبير. ومع قلق بعض المستثمرين بالشركة وضغطهم على إدارتها لتحقيق الأرباح، أعلنت إدارة الشركة أنها تطمح لأن تكون سنة 2021 هي السنة الربحية الأولى لـ«أوبر».
و«أوبر» باتباعها هذه المنهجية، توسع محفظتها الاستثمارية التي تشمل حتى سيارات الأجرة وتوصيل المأكولات والشحن الجوي، وهي خطوة قد تبدو منطقية لشركة تملك أسطولاً ضخماً من المتعاقدين معها، الذين قد لا يمانعون توصيل البضائع بدلاً من الركّاب. إلا أن «أوبر» كذلك سوف تدخل سوقاً جديدة تحمل منافسين جدداً، منافسين مثل «أمازون» و«وول مارت»، بكل ما لديهم من بنية تحتية وخبرة وحصص سوقية ضخمة تؤمنها بضائعهم التي يبيعونها بنشاطهم التجاري الأصلي. إلا أن «أوبر» تأمل في استغلال إحجام المستهلكين عن الذهاب للأسواق، بإطلاقها هذه الخدمة، لتكون بديلاً عن الذهاب للمتاجر، أي إنها حتى الآن قد تستهدف شريحة بعيدة عن الشركات المنافسة. بل إن «أوبر»، وبهذه الخطوة، تهدف إلى أن تكون المنقذ لمتاجر التجزئة في معركتها ضد المتاجر الإلكترونية.
لقد دخلت «أوبر» سوقاً جديدة باستحواذها على «بوست ميت»، وهو توجه طالما سعت له «أوبر» خلال سنوات من المفاوضات مع الشركات المثيلة. ويبدو أن «أوبر» تتجه لأن تصبح شركة لوجستية متكاملة، مستندة على صيتها الذائع، وأسطولها الضخم، وخبرتها الفريدة في هذه الصناعة. وإذا تمكنت «أوبر» فعلياً من توحيد مصالحها في هذا المشروع مع مصالح متاجر التجزئة، فسوف تكسب بذلك حليفاً قوياً ضد منافسيها الذين يكبرونها حجماً وخبرة في هذا المجال. إلا أنها تحتاج لبناء شراكات قوية مع كبريات شركات التجزئة لتصل إلى هذا المستوى. ويتضح أن «أوبر» لن تكون فقط «أوبر» لنقل الركاب أو لتوصيل المأكولات، بل قد تصبح «أوبر» لكل شيء!
نقلا عن الشرق الأوسط