صحيحٌ أن الأزمات تولد الفرص والتي تتكرر بين زمنٍ وآخر لكن الأزمة التي خلفتها تداعيات جائحة كورونا غير مسبوقة فهي لم تكشف عن فرص استثمارية نتيجة انخفاض أسعار أسهم الشركات محلياً وعالمياً على وجه الخصوص بل إن أهم ما نتج عن هذه الأزمة هو كشفها لثغرات عديدة بالاقتصاد العالمي وبالطبع المحلي والتي بدورها تمثل فرصاً كبرى لمعالجة هذه الثغرات وتحويلها لعناصر قوة للاقتصاد الوطني فسلاسل الإمداد لسلع ومنتجات عديدة تعرضت إما لتعطل أو تباطؤ بوصولها نتيجة الإقفال العالمي الغير مسبوق للقطاعات الإنتاجية وأيضاً في نشاط النقل عموماً مما أدى لتراجع حاد بالتجارة الدولية وبنسبة تاريخية بلغت 18،5 بالمائة في الفصل الثاني من هذا العام والتي تم التغلب عليها من خلال التخطيط المسبق للخزن الإستراتيجي الضخم للسلع والمنتجات محلياً لكن ذلك لا يعني أبداً أنه الحل الوحيد مستقبلاً لمواجهة الأزمات فلم يتوقع أحد بالعالم أن يحدث هذا التعطل والإقفال الكبير بكافة دول العالم مما قلل من الإنتاج وحركة التجارة الدولية وخلف بطالة ضخمة بالكثير من الدول التي تعتمد على التصدير.
فما خلفته جائحة كورونا من سلبيات على الاقتصاد كان كبيراً لكنه فتح الأعين على فجوات لابد من العمل على تقليصها لينخفض تأثيرها مستقبلاً وتتحول لقيمة مضافة بالاقتصاد، فالمملكة تستورد منتجات وسلع بما يناهز 500 مليار ريال سنوياً أي ما يعادل 15 بالمائة من حجم الناتج المحلي لكن تأثير هذه الواردات على الاقتصاد كبير جداً لتشغيله والمساهمة بإنجاز المشاريع وتنفيذ برامج التنمية عموماً مما يعني أنه في حال طالت الأزمة الحالية وبدأت سلاسل الإمداد تتعطل فإن لذلك آثار وتداعيات سلبية على التنمية وإعادة الاقتصاد للنمو، مما يتطلب الإمعان والتفكير في حلول غير تقليدية وتحقق نتائج بوقت قياسي بجذب الاستثمارات وزيادة الطاقة الاستيعابية بالاقتصاد وخفض الواردات من خلال الإنتاج المحلي للمنتجات الأساسية غير المرنة تحديداً المواد الغذائية والطبية وكذلك قطع الغيار التي تستخدم بتشغيل المرافق الحيوية ثم الانتقال للتوسع بإنتاج منتجات أخرى يمكن لها النجاح بوجود مواد خام ووسيطة تنتج محلياً.
فالوصول لهذه الأهداف المتمثلة بزيادة الإنتاج المحلي وأيضاً توطين التقنيات والخبرات يحتاج لأنظمة وتشريعات إضافية لتيسير استقطاب المستثمرين فسوق المملكة يعد الأقوى والأكبر بالمنطقة بالإضافة للإمكانيات الهائلة والموقع الجغرافي والبنية التحتية القادرة على تلبية احتياجات المستثمرين من الخدمات المطلوبة لكن الاستقطاب يتطلب البحث عن المعوقات واتباع أساليب مختلفة لجذب الاستثمارات من خلال أنظمة أكثر جاذبية في المدن الصناعية والاقتصادية واتباع منهجية مرنة في التعامل مع الاستثمارات الجديدة بحزم تحفيز واسعة إضافة لتحفيز الاستثمارات القائمة إذا كانت ستتوسع بخطوط الإنتاج وتوطن تقنيات وتزيد من توظيف الكوادر الوطنية فقد تكون الحاجة لمثل هذه الحزم لعدة سنوات ضمن برنامج محدد لزيادة الاستقطاب وتكون المزايا لمن يضخ استثماراته خلال هذه المدة كما أن استكمال تقليص هذه الفجوات مابين الواردات والإنتاج المحلي لصالح زيادة الأخير ليس هو ما أفرزته هذه الأزمة بل أيضاً ضرورة التغيير الشامل لدى الجامعات والكليات المهنية والتقنية بزيادة القبول بالتخصصات الصحية والعلمية والمهنية يعد أيضاً من الأساسيات لتقليص فجوة كبيرة بسوق العمل فلابد من التركيز على تحسين المهارات لدى الكوادر الوطنية وتوجيهها لتخصصات أساسية لتشغيل الاقتصاد.
جائحة كورونا كانت سلبية وتسببت بانكماش حاد وسريع في العالم بأسره لكنها أيضاً نبهت لإشكاليات كبيرة بسلاسل الإمداد وانخفاض الإنتاج المحلي قياساً بالإمكانيات المتاحة وحجم الفرص الكبير وأيضاً فتحت الباب للتفكير خارج الصندوق عن الحلول المبتكرة لتحفيز جذب الاستثمارات وتحويل تداعيات الجائحة السلبية على الاقتصاد لفرص ذهبية تمثل منعطفاً جديداً بالاقتصاد الوطني وتختزل زمناً طويلاً للوصول للنتائج المستهدفة بتنويع الاقتصاد من خلال زيادة الاستثمارات وتوليد الوظائف.
نقلا عن الجزيرة