الأسواق الناشئة تبحث عن خشبة الخلاص

31/05/2020 0
د. خالد رمضان عبد اللطيف

رغم أن الاقتصادات الناشئة لم تتوعك صحياً من فيروس كورونا مثلما توعكت نظيراتها في أوروبا وأمريكا والصين، إلا أن صدمتها المالية تفوق بشدة الأضرار الصحية للجائحة، حيث تكافح كل دولة في ظل عدم اليقين السائد حالياً من أجل تفادي خسائر مالية فادحة، وتعمل على المناورة بأعلى قدر من اليقظة لامتصاص التحولات الجارية، إذ ستحتاج تلك الاقتصادات (66 اقتصاداً ناشئاً بحسب تصنيف مجلة ذا إيكونوميست) على الأرجح خلال العام الجاري إلى أكثر من 4 تريليونات دولار للوفاء بالتزاماتها الخارجية وتغطية عجز الحساب الجاري.

تعاني الأسواق الناشئة عجزاً مالياً غير مسبوق في بيئة تشهد انخفاض أرصدة الحسابات الجارية بسبب ضغف تدفقات رأس المال، وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، فإن اقتصادات الناشئة راكمت ديونا بنحو 77 مليار دولار في أبريل ومايو فقط، وقد تجد بعضها صعوبة بالغة في اقتراض المزيد خلال الفترة المقبلة، مما يقلص الرافعة المالية التي  تلاحق عجزها المالي، فيما يتوجب عليها سداد ديون مستحقة بنحو 34 مليار دولار خلال الاثني عشر شهرا المقبلة.

يقيناً، فإن الأسواق الناشئة باتت أكثر عرضة للصدمات الاقتصادية بعد أن أجبرها زلزال كورونا على استنفاد زهرة احتياطياتها من النقد الأجنبي وبأسرع وتيرة منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، بعدما أضرت الجائحة بسوق السلع في الأسواق الناشئة، والذي يعد السوق الرئيسي في تلك البلدان، وسيؤدي ذلك قطعاً إلى تردي ميزانيات الاقتصادات الناشئة، ولن يكون أمام القطاع الخاص العامل بها غير الاستدانة، والتي وصلت ديونها الخارجية بنهاية العام الماضي إلى 2.3 تريليون دولار.

لكن، درجة التأثير السلبي التي ستتعرض لها تلك الاقتصادات، ستتفاوت وفقا لعدة عوامل أبرزها طبيعة البنية الاقتصادية، فالاقتصادات التي تعتمد على تصدير المنتجات الأولية شديدة الارتباط بالاقتصاد العالمي ربما تكون أكثر تأثراً من الآخرين، وباستثناء الصين فإن الركود سيكون القاسم المشترك بين الاقتصادات الناشئة خلال النصف الأول من العام الجاري، ولهذا أجبرت تلك الدول على استنزاف حوالي 240 مليار دولار من احتياطيات النقد الأجنبي على مدار الشهرين الأخيرين.

لا يعني هذا أن الأمر كارثياً أو لا يمكن مواجهته، إذ يمكن للاقتصادات الناشئة التعويل على تخطي الأزمة المالية، من خلال ثلاثة مستويات رئيسية، الأول الدعم الصيني المحتمل عبر تقديم مساعدات وقروض وضخ استثمارات مباشرة وغير مباشرة في الاقتصادات المضطربة وخاصة للدول الحليفة، والمستوى الثاني للدعم يتمثل في الدور الأمريكي المساعد عبر قيام الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة مما يحول دون هروب المزيد من الاستثمارات الأجنبية منها إلى الولايات المتحدة بشكل خاص.

أما المستوى الثالث للدعم المالي فيرتكز على المؤسسات الإقراضية المعتبرة، وفي مقدمتها صندوق النقد والبنك الدوليين، وهنا ربما تكون هناك إشكالية تتعلق بتسييس قرارات المؤسسات المقرضة، عبر تقريب حلفاء واشنطن وإبعاد خصومها، باعتبار الولايات المتحدة المساهم الأكبر في صندوق النقد الدولي والمؤثر المهم في قراراته (حصتها تبلغ أكثر من 17%)، أو حتى على مستوى ترتيب الدول الأحق بتقديم العون والمساعدة للبدء بها، ومع هذا نعتقد أن التعافي المرتقب عقب انتهاء الجائحة سيظل باهتاً بسبب معضلات أربع هي تراكم الديون، وتعثر الشركات، والتوترات الأمريكية- الصينية، وركود الأسواق التجارية.

خاص_الفابيتا