هل من فرص قائمة في عتمة الاقتصادات والأسواق؟

13/07/2022 2
عبد الحميد العمري

تتجاوز الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة حدود ما نتج عن تداعيات الجائحة العالمية لكوفيد - 19، وتتجاوز أيضا حدود ما نتج عن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا من تداعيات قاسية، انعكست حتى منتصف العام الجاري على ارتفاع أسعار الطاقة بنحو 161 في المائة، وارتفاع أسعار الغذاء بنحو 49 في المائة، مقارنة بمستوياتها في مطلع العام الماضي، وتتجاوز حدة التقلبات الراهنة في مختلف أسواق الأصول الاستثمارية حول العالم، وفقدانها لما بين 20 و30 في المائة من إجمالي قيمتها منذ مطلع العام الجاري، وتتجاوز أيضا الارتدادات الناتجة عن تحرك البنوك المركزية حول العالم برفع معدل الفائدة، لمواجهة التضخم الأعلى منذ أكثر من أربعة عقود زمنية مضت، وما ترتب عليه من تراجع العملات الرئيسة أمام الدولار الأمريكي، الذي قفزت قوته بأكثر من 20 في المائة في المتوسط أمامها خلال الـ14 شهرا الماضية، ولم يقف زحف الدولار عند هذا الحد، بل ذهب إلى سحق أغلب عملات الأسواق الناشئة، وما شهدته سريلانكا أخيرا من السقوط في دائرة الإفلاس وتعثرها أمام الجهات الدائنة، إلا بداية محتملة كبيرة لقائمة طويلة من دول الأسواق الناشئة، وصل عددها حتى تاريخه إلى 19 دولة حول العالم، بإجمالي ديون وصلت قيمة سنداتها إلى نحو 237 مليار دولار، أي ما نسبته 17 في المائة من إجمالي الديون السيادية على تلك الدول البالغ حجمها 1.4 تريليون دولار.

ليس الأمر هنا قائما على رسم صورة افتراضية متشائمة، إنها الواقع الذي يقف عليه العالم اليوم بكامل مقدراته وتحدياته، الذي أصبح جاثما على شاشات أغلب الهيئات والمنظمات والبنوك الدولية، وانغمس الجميع في البحث عن الحلول الممكنة للتعامل مع تداعياته العكسية المحتملة، التي لا يعد دخول العالم في حالة من الركود التضخمي خلال ما تبقى من العام الجاري، وخلال العام المقبل، إلا أحد رؤوسها المشاهدة الآن بإقرار صندوق النقد والبنك الدوليين وغيرهما من الهيئات والمنظمات والبنوك الدولية، وما سينعكس به ذلك على أسواق الأصول والعملات والعمل والتجارة الدولية، سيكون الخاسر الأكبر في خضم التقلبات الحادة التي تشهدها تلك الأسواق بكل تأكيد دول الأسواق الناشئة "مجموع سكانها نحو 900 مليون نسمة"، والانتقال المتوقع لعدوى انتكاساتها الاقتصادية والمالية على بقية مناطق العالم.

جدير بالذكر هنا، أن شريحة من الأفراد قد لا يعجبها هذا النمط التحليلي، الغارق في الجزء المعتم من التطورات الاقتصادية والمالية الراهنة، وقد يصل بها الأمر إلى عدم رغبتها في رؤية وقراءة الموضوع جملة وتفصيلا! والأغرب من ذلك، بحال وقع المحذور منه، وأصبح الأمر واقعا مسيطرا على عموم المشهد الاقتصادي والمالي العالمي، برز من يقول منهم، أين خبراء الاقتصاد والاستثمار وعالم المال؟ لماذا لم يتنبأوا بهذه التداعيات المريرة التي حلت على الاقتصادات والأسواق؟! حتى يتم الاستعداد لها والتحوط، كما كان مفترضا! وعلى الرغم من كون هذا الجانب لا يمثل وزنا ذا قيمة في خضم ما يواجهه العالم اليوم من تحديات جسيمة، إلا أنه من الأهمية بمكان، التأكيد لتلك الشريحة من البشر، أن جزءا كبيرا مما يحدث الآن على مستوى الاقتصادات والأسواق كافة، سبق أن تنبأ به كثير من الخبراء الاقتصاديين والمحللين الماليين في مختلف الهيئات والمنظمات والبنوك الدولية خلال الأعوام القليلة الماضية.

الأمر الأهم في هذا الشأن، وهو ما سبق لعديد من الخبراء الاقتصاديين الحديث عنه، أن جزءا كبيرا مما يحدث ويتوقع حدوثه خلال الفترة المستقبلية المقبلة، يعد جزءا رئيسا من المشهد الأوسع لتهاوي منظومة العولمة بعد أكثر من ثلاثة عقود من سيطرتها على المعمورة، وأن العالم يتجه إلى منظومة متعددة الأقطاب/القوى، وتأتي الأهمية القصوى للتنبه لهذا الجانب المحوري والرئيس، لما سبق الإشارة إليه حول المناطق من العالم المتوقع صعودها اقتصاديا على الرغم من هذا التقلب الحاد في أداء الاقتصادات والأسواق حول العالم، وأن منطقة الشرق الأوسط ممثلة في دول مجلس التعاون الخليجي، على وجه الخصوص، والسعودية في مقدمة هذه المنطقة الحيوية من العالم، ستحظى بأولوية مرتفعة جدا أمام الاستثمار الأجنبي، وزيادة جاذبيتها أمام تدفقات المستثمرين الأجانب، قياسا على الاستقرار السياسي والاقتصادي والمالي الذي تحظى به هذه المنطقة الحيوية من العالم، وما تكتنزه من ثروات هائلة للطاقة والمعادن، إضافة إلى ما تزخر به من توافر عال لفرص الاستثمار الواعدة في عديد من المجالات الحيوية، والأهم من كل ذلك، أنها المنطقة من العالم وعلى رأسها المملكة التي صممت رؤى وبرامج مستقبلية واضحة المعالم، وقامت بالالتزام التام بها، لتنتقل من مجرد اقتصادات مصدرة للمواد الخام إلى الأسواق العالمية، والتحول وفق تلك البرامج التنموية الشاملة إلى دول تحتضن بيئات منتجة ومنافسة صناعيا وخدماتيا، والتأكيد أيضا هنا أنه لن يكون طريقا ممهدا كما قد يظن كثير، بل إنه الطريق الممتلئ والمحاصر أيضا بكثير من التحديات والمعوقات محليا وخارجيا، وعلى الرغم من وجودها فسيتم تجاوزها - بمشيئة الله تعالى -، كما سبق أن تم تجاوز كثير منها طوال الأعوام الخمسة الماضية، التي كان من أكبرها تفشي الجائحة العالمية لكوفيد - 19، على سبيل المثال لا الحصر.

يأتي التأكيد على الجانب الأخير أعلاه، للنظر بمزيد من التفاؤل الموضوعي لا الافتراضي إلى الفرص الإيجابية المتوافرة محليا وإقليميا، التي قد يتجاهلها البعض في خضم المشهد الاقتصادي العالمي الضبابي أو حتى المعتم خلال الفترة الراهنة، وهو الواقع المستند إلى حجم الثروات الطبيعية الهائلة التي تتمتع بها هذه المنطقة الحيوية من العالم وعلى رأسها المملكة، والوفورات المالية القياسية التي تمتلكها، وما سينعكس به عديد من المتغيرات الاقتصادية العالمية إيجابا على المنطقة والمملكة، لعل من أقربها صعود الدولار الأمريكي وارتباط أغلب العملات المحلية للدول الخليجية به، الذي سيجنبها في منظور الأشهر القليلة المقبلة قدرا مهما من التضخم العالمي، والأخذ في الحسبان أيضا توافر الإمكانات والموارد المالية اللازمة لدى حكومات دول المنطقة، الممكنة لاتخاذ التدابير اللازمة للتصدي لأكبر قدر ممكن من التداعيات العكسية والمحتملة لما يمر به الاقتصاد العالمي من ركود أو تقلبات أو صراعات تجارية، وما قد تؤول به من صراعات عسكرية في عديد من المناطق المشتعلة حول العالم، لا قدر الله.

 

نقلا عن الاقتصادية