نحن ـ معشر السمان وأتشرف أن أكون قد أصبحت واحداً منهم منذ سنوات ـ لنا مع (السمنة) قصص وحكايات، ومواقف .. ودراما .. ومعارك وكر وفر..
ولكننا في أغلبنا .. وفي أغلب الأحيان.. نشبه في حروبنا مع السمنة حروب العرب مع إسرائيل.. هي تعتدي علينا كل يوم .. ونحن نشجب ونستنكر.. هي تهدد وجودنا ونحن نلهو ونلعب.. نأكل ونشبع.. حتى في حروبنا المحدودة معها كنا في الأغلب نحن الأخسرين.. إذا تقدمنا شبراً تقدمت متراً.. وإذا فقدنا كيلوغراماً كسبنا خمسة.. والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه!!
وقد عاش ـ على أقفيتنا العريضة نحن السمان ـ جيش من من الأطباء والصيادلة ومراكز الرياضة والتنحيف ومؤلفي كتب الحمية والريجيم وكيف تخسر وزنك في سبعة أيام على غرار كيف تتعلم الانجليزية خلال سبعة أيام..
وعاش ـ على أقفيتنا نحن السمان ـ جيش آخر من المستغلين دجالين وغير دجالين من العطارين والعشابين ومقدمي أدوية مختلفة للحمية والتنحيف مع الدعاية والإعلان والوعود البراقة التي تشبه سحاب الصيف الذي لا ماء فيه.. سراب .. في سراب.. دفع فلوس .. وتعب .. وانتظار.. وملل .. ومحاولات بعد ملل.. وحماسة بعد كلل.. ثم عودة لليأس والضرب في الكبسة والحلويات .. ثم البحث عن أي إعلان لدواء أو برنامج يخفف الوزن . أو كتاب جديد .. وبدء المشوار المتعب من جديد.. ثم تعود ريمة لعادتها القديمة!
وكان آخر ما توصلت إليه في علاج السمنة، وقد كاد وزني يبلغ المئة وإن كنت لم أبلغها قط .. بعد.. وإن كانت على ما يبدو في الطريق والحمد لله على كل حال.. كان آخر ما توصلت إليه علاجاً نصحني به مسؤول احدى شركات أدوية الأعشاب ـ المقننة لا العطارين فأنا لا أتعامل مع العطارين أبداً ولكن يبدو أن (سعيد أخو مبارك)..!
هذا العلاج أشار به وقال إنه (آخر صيحة) في علاج السمنة وإعلان الحرب عليها ولهذا فهو ـ كعادة آخر صيحة ـ غالي الثمن .. قلت في نفسي (يا مدور الهين ترى الكايد أحلى) وقلت له بطمع: تفضل اشرح! قال بحماس: هذا العلاج ينشط الجسم ويمنح الحيوية ويزيد احتراق الطعام ويسد الشهية.. هل عندك ضغط؟ قلت: لا .. قال وهو يرفع أمام عيني علبة الدواء بابتهاج: هذا إذن علاجك بالضبط.. سوف يقل وزنك ويزداد نشاطك وتحب الحياة!.. قلت: كيف أحب الحياة؟ لا يكون فيه مضادات كآبة أو جالبات الابتهاج أو لا سمح الله أي نوع من المخدرات؟!
قال باستنكار: أعوذ بالله! فيه أعشاب طبيعية تحرق الأغذية، وفيه عشبة فيها (كافئين) مركز يجعلك نشيطاً كثير الحركة قليل النوم سريع الحرق لما تأكل.. قلت: فإنني أشرب الكثير من الشاي والقهوة وفيهما (كافئين) ولم ينفع..
قال: فإن ما في هذه الكبسولة من الكافئين يفوق أضعافاً ما في الشاي والقهوة بالإضافة إلى أعشاب تملأ المعدة وأملاح تحرق السكر والدهون..
(كلام نسمعه نحن السمان مع كل مستحضر جديد أو آخر صيحة لعلاج السمنة ونتعلق به تعلق الغريق بالقشة ونشتريه بحماسة ثم مصيره برميل الزبالة!)..
كالعادة اشتريت المستحضر العشبي الجديد وعزائي أنه من شركة محترمة لا من دجالين أو عشابين مشكوك في أمرهم وخلطاتهم، محتويات العلبة معروفة، والشركة رأيت فروعها في أوروبا وأمريكا، فهي مشهورة، والتجربة ـ على أي حال ـ خير برهان، وبرميل الزبالة موجود في النهاية.. وكالعادة .. ويخلف الله . ولن تكون الأولى .. ولا الأخيرة!
سمعتُ مرة نبيل شعيل ـ وهو كما ترون من الوزن الثقيل ـ سمعته في لقاء معه في التلفزيون حين سئل متى تخفض وزنك؟ .. يقول:
إذا حجت البقرة على قرونها!
فضحكت ولكنني رفضت هذا المنطق، فلا حياة مع اليأس.. ولا يأس مع الحياة..
وتابعت لقاء عماد الدين أديب مع يحيى الفخراني في الأوربت ليروي الأخير تجربته في خفض وزنه بشكل كبير.. وكان ـ أي الفخراني ـ يبدو على الشاشة وقد خفض وزنه بشكل كبير فعلاً.. يغبط عليه حقاً.. فقال الفخراني: إنه لم يعتمد أي أدوية أو ريجيمات كيميائية أو غير كيميائية وإنما قلل الأكل بشكل عام ومنتظم.. قلت جاداً: وهذا هو الطريق السليم الوحيد لمحاربة السمنة واعتبار التغذية المتوازنة القليلة برنامج حياة دائماً.. بحيث لا يحارب السمنة فقط بل يجلب معه ـ بإذن الله ـ الصحة والحيوية والنشاط.. ويقضي ـ بإذن الله ـ على ما يصاحب السمنة من كوليسترول ودهنيات ومخاطر بقدوم السكر والضغط والجلطات..
ولكنني فجعت بعدها بفترة قصيرة أن يحيى الفخراني عاد لوزنه الثقيل!.. هذه هي المشكلة التي تواجه السمان دائماً! .. ينحفون بصعوبة ويسمنون بسهولة.. لا يدرون أن مصاعب السهول أشد من مصاعب الجبال.. حين تتسلق جبال الحمية والريجيم تشحذ قواك وتشد المئزر وتوقظ حماستك ولكن لا تظنَّ أن هذا كل ما في الأمر .. حين ينخفض وزنك إلى ما تحب ـ وقد فعلتها أنا ـ تعود إلى الاسترخاء.. تظن أنك خلصت من صعود الجبال وأن أمامك سهول سهول.. خضرة وماء وسهول وراحة.. فتخمد همتك.. وترضى عن نفسك.. وتعطي إرادتك إجازة.. وتظن أنك بلغت الغاية وأن المصاعب في الجبل خلف ظهرك .. تنسى مصاعب السهل وهي أطول .. وأدوم .. هنا تعود ريمة لعادتها القديمة.. تسترخي وتكسل وتأكل على راحتك وتعود لعاداتك الغذائية الدميمة.. الشرهة والمفتوحة والتي لا تميز الأغذية إلا بالطعم والشهية وهوى النفس لا بالعقل والعلم.. ومعرفة محتوى كل غذاء.. هنا تستعيد سمنتك بسرعة هائلة وغالباً ما تزيد عن وزنك السابق قبل الريجيم (كجلمود صخر حطه السيل من عل) الارتفاع صعب.. والانحدار سهل .. البناء متعب .. والهدم لا يقتضي شيئاً..
وحين سئل يحيى الفخراني في لقاء آخر بعد أن استعاد وزنه الثقيل بعد ذلك الريجيم: لماذا استعدت وزنك؟ زعم أن شكله كذا أفضل!! يزعم!!.. وقال إن الجمهور اعتاده في دور (الباشا) في (ليالي الحلمية) وهو سمين واستنكره حين عاد رشيقاً!! .. قلت : قل له يادليم هلا!! .. الحكي سهل.. والزعم مبذول.. ولكن لاخير في المكابرة ولا الدعاية للسمنة أو تهوينها على السمان فهي وبال..
ولكن عماد الدين أديب ظل صامداً في حزب السمان لا يتزحزح من موقعه قيد أنملة ولا ينقص جراماً وإن أجرى اللقاءات مع من خففوا أوزانهم بشكل جاد وعلمي ومع الأطباء والمختصين فهو نفسه (أذن من طين وأذن من عجين) ينقل ولا يفعل ويبدو أنه راض كل الرضا عن وزنه أو أنه أصابه اليأس من بلوغ النحافة أو أنه يعوض بتقديم البرامج والمعارف للآخرين عن الحمية وتقليل الوزن وهو على كل حال أخبر بنفسه وشكله مقبول جداً بسمنته ولم تمنعه ـ ما شاء الله عليه ـ من النشاط والعمل الدؤوب والإنتاج فهو يعمل عن عشرة رجال من الوزن الخفيف الرشيق رغم أنه حقاً من الوزن الثقيل..
وقد قرأت في جريدة "الرياض" (منذ فترة قريبة) أن فتاة سعودية (ما شاء الله) استطاعت خفض وزنها من فوق المئة إلى سبعة وخمسين كيلوغراماً فقط وتريد خفض المزيد وأنها فعلت ذلك ـ وهو إنجاز جبار لو كنتم معشر النحاف تعلمون ـ من خلال برنامج غذائي ورياضي مدته عام وبإرادة من حديد وكان هدفها الرئيسي ـ كما تقول ـ هو أن تلبس البنطلون الذي كانت سمنتها تحول بينها وبينه! هدف صغير لعمل كبير.. والله قد يضع سره في أضعف خلقه!
وقرأت لصحفية رشيقة في مجلة (حواء) منذ سنوات حديثاً جميلاً عن الرشاقة والسمنة وأن الرشاقة مسألة علم وذكاء وحسن اختيار فهي لها صديقة سمينة جداً تسب السمنة وتشجبها وتستنكرها وتغبط صديقتها الصحفية على رشاقتها.. وتقول الصحفية: إننا نجلس في مطعم واحد ونطلب أحياناً طبقين متماثلين ولكن يختلف ما آكل عما تأكله هي.. فأنا أزيل جلد الدجاج وهي تبدأ به وتقول لا طعم للدجاج بدونه.. وأنا لا أذوق البطاطس المقلي المرفق مع الطبق وهي تلتهمه .. وأكتفي أنا بصدر الدجاج بدون جلد وبالسَّلطة والخضار بدون بطاطس، ولكن صديقتي السمينة موفقة ـ بالغريزة والذوق الخاص ـ لالتهام ما يُسمِّن ويمتلئ بالسعرات فهي (تصفط) الدجاج بجلده وشحمه ولحمه وتفضل البطاطس المقلية على السَّلطة، وتختم وجبتها بطبق من الحلا لا أقربه، مع ذلك كلنا نشبع، غير أنها تسمن .. وترهق جسدها.. وتفقد ملابسها القديمة.. وتظل تشكو من السمنة.. وما من شكوى بلا سبب .. ولا بد من معرفة السبب أولاً .. فإذا عُرف السبب بطل العجل.. والسبب في سمنة السمان ـ إلا ما ندر ـ هو التهام المزيد من الطعام..
قلت:
صحيح أن هناك عصافير محظوظين (ما شاء الله، متعهم الله بالصحة) .. أعرف بعضهم وأواكله دائماً.. يأكلون كما نأكل نحن السمان .. ويقضمون الفلفل الأخضر الطازج الحار مع الكبسة لتكون أشهى وأسرع ازدراداً ويخلطونها باللحم والشحم والدجاج بجلده ويختمونها بطبق الحلا وبالشاي بسكره ولكنهم لا يسمنون أبداً، هؤلاء موجودون ولكنهم قلة وهؤلاء هم السعداء حقاً يستمتعون بالمائدة والرشاقة معاً.. ليتنا مثلهم .. ولكن (كلمة ليت عمرها ما كانت تعمر بيت) لذلك فإن الحل الوحيد أمام السمين هو الإرادة القوية والوعي الغذائي بحيث يضع له برنامجاً غذائياً صحياً ومتوازناً يعتمده مدى الحياة وليس لشهور فيبرأ من سمنته بإذن الله، ويتخلص من الزوائد ومن الشحوم ومن الدهون والكوليسترول ويرضى عن نفسه ويحس أنه حقق انتصاراً فالانتصار على هوى النفس مفخرة.. إن النفس لأمَّارة بالسوء إلا من رحم ربي..
وعودة لعلاج الأخ فقد اشتريته بحماسة ثم رميته في الزبالة! .. لقد قلل نومي جداً وزاد خفقان قلبي وجعلني كأنني لستُ على بعضي! .. وأنا شخصياً لا يروق مزاجي واستطيع القراءة والكتابة إلا إذا نمت ساعات كافية ( 8ساعات على الأقل) وقد حذف ذلك العلاج النحس نصف ساعات النوم ولعله رفع الضغط أيضاً!! .. قلت في نفسي: يبدو أن هذا العلاج بدل أن يحذف من وزني كيلو سوف يحذف وزني كله في رحلة عاجلة إلى المقبرة بالكيلوات كاملة! .. فكان مصيره الزبالة! .. ومازلت أعتقد أن الأدوية ومستحضرات الأعشاب التي تزعم علاج السمنة.. وصرخات الريجيم المحدودة كالكيميائي أو ما يعتمد على شهر أو شهرين.. تجارية بحتة تستنزف جيوب وجهود السمان على الفاضي .. والسمين مسكين يريد أن يأكل ولا يسمن.. ويريد أن ينحف بسرعة .. وبلا مجهود.. ما يصير .. ولكنه يظن أنه يصير فيتعلق بأي دواء أو صرخة ريجيم.. يريد الطريق الأسرع والأسهل.. وهو معدوم .. وخطير .. وفيه أنفاق ومحاذير ومطاب قد تهلك الإنسان.. (الجادة ولو طالت) كما قال الأجداد: الغذاء القليل المنوع مدى العمر.. أما غير ذلك فمجرد تشجنات وصرخات شجب واستنكار بلا جدوى..
لقد أسمعت لو ناديت حياً
ولكنء لا حياة لمن تنادي
ولو ناراً نفخت بها أضاءت
ولكنء كنتَ تنفخ في رماد!
نقلا عن الرياض
المشكلة ان الوزن يزيد في شهر الخير بسبب الحلا والقلي ، شكراً أستاذ عبدالله ع المقال والتنبيه
هذا هو خلاصة المقال " لذلك فإن الحل الوحيد أمام السمين هو الإرادة القوية والوعي الغذائي بحيث يضع له برنامجاً غذائياً صحياً ومتوازناً يعتمده مدى الحياة وليس لشهور فيبرأ من سمنته بإذن الله، ويتخلص من الزوائد ومن الشحوم ومن الدهون والكوليسترول ويرضى عن نفسه ويحس أنه حقق انتصاراً فالانتصار على هوى النفس مفخرة.. إن النفس لأمَّارة بالسوء إلا من رحم ربي" جزي الله الكاتب كل خير