في المقال الماضي، تحدثت عن إدارة المخاطر في مواجهة الأزمات "COVID-19" نموذجا. مع مرور الأيام التي يواجه فيها العالم هذه الجائحة الصحية، تزيد مخاطر الأعمال التجارية والتجمعات السكانية لتشكل أزمات يجب أن يواجهها العالم بوحدة من أجل تجاوز هذه الأزمة واستعادة النمو الاقتصادي لكل الدول. وهذا ما تبنته المملكة ودول "مجموعة العشرين" G20 خلال القمة الاستثنائية الافتراضية التي عقدت يوم الخميس 26 مارس 2020 برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وتأكيده - حفظه الله - على: "الصعيد الاقتصادي، وفي ظل تباطؤ معدلات النمو واضطراب الأسواق المالية، فإن لـ«مجموعة العشرين» دورا محوريا في التصدي للآثار الاقتصادية لهذه الجائحة. لذلك، لا بد لنا من تنسيق استجابة موحدة لمواجهتها وإعادة الثقة بالاقتصاد العالمي. وترحب المملكة بالسياسات والتدابير المتخذة من الدول لإنعاش اقتصادها، وما يشمله ذلك من حزم تحفيزية، وتدابير احترازية، وسياسات قطاعية، وإجراءات لحماية الوظائف". وهو ما تبنته فعليا دول المجموعة حيث تعهدت بضخ خمسة تريليونات دولار لمواجهة آثار وباء فيروس كورونا الاقتصادية.
النموذج الاقتصادي يتكون من ثلاثة قطاعات حسب النشاط تمثل: استخراج المواد الأولية، وقطاع التصنيع التحويلي، وقطاع الخدمات وفق نموذج ألان فيشر AGB Fisher، كولين كلارك Colin Clark، وجان فورستي Jean Fourastié. وبحكم أن المجتمعات في أغلبها حاليا أصبحت في حكم المتقدمة تقنيا، وتستخدم الأتمتة في مجالات التصنيع الأولية والتحويلية، وبذلك فإن توزيع القوى البشرية وفق القطاعات الثلاثة يمثل 10 في المائة من القوى العاملة تعمل بقطاع المواد الأولية، و20 في المائة تعمل في قطاع التصنيع، و70 في المائة تعمل في قطاع الخدمات.
والقطاع الثالث يشكل ما يقارب 60 في المائة من الناتج الإجمالي العالمي. وكذلك فإن نسبة المنشآت الصغيرة والمتوسطة SMES التي تسيطر على القطاع الثالث "الخدمات" وتمثل ما يربو على 75 في المائة من هذا القطاع وفق بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD.
من أجل هذه الاعتبارات، فإن قطاع الخدمات أصبح في وضع يعاني كثيرا آثار الركود الاقتصادي Recession المصاحب للاحتياطات الصحية التي تفرضها الدول حماية للسكان من الإصابة بفيروس "COVID -19" الذي يشكل عبئا اقتصاديا وإنسانيا على كثير من الدول.
لذلك فقد بادر كثير من الدول لدعم قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة SMES وحمايته من الوقوع في الكساد Depression وهو الخطر الأكبر على الاقتصاد في المرحلة المقبلة. كثيرة هي الخدمات والقطاعات الفرعية التي ستتأثر بهذه الحالة، ولذلك يجب أن تستجيب الجهات التشريعية والسياسات بوتيرة أسرع لمواجهة فترة الركود ومخاطر العمل الميدانية من أجل حماية الأنشطة الاقتصادية وتعافيها من الآثار المترتبة على الوضع الصحي العام في الدول. هذا المقال لا يدعو إلى التشاؤم أو نشر صورة سوداوية عما يمكن أن يحدث على المستوى العالمي.
والأولية لكل دول العالم الآن هو بالحد من انتشار الفيروس، وحماية الحياة على كوكب الأرض من أكبر مهدد لها في هذا القرن. لكن الاستفادة من قراءة المخاطر Risks تساعد على تجاوز الأزمة وحماية الاقتصاد من خسائر مالية قد يصعب تعويضها في المدى القريب. حمى الله الجميع من كل سوء.
نقلا عن الاقتصادية