من الثابت وفقا للتاريخ الاقتصادي أن هناك أربع أشكال للتعافي يعقب مرحلة الركود (Economic recovery)، وأول هذه الأشكال هو الشكل الذي يأخذ حرف (V) والذي يعنى أن هناك ارتدادا سريعا من قاع الركود الاقتصادي أو من أدنى مستوى للمؤشرات الاقتصادية.
أما الشكل الثاني فيقترب كثيرا من الشكل الأول غير أن فترة الارتداد تأخذ وقتا أطول نسبيا ويأخذ هذا الشكل حرف (U) وهو ما يعنى أن التعافي يحدث بعد فترة من السير في اتجاه عرضي على مستوى للمؤشرات الاقتصادية، وكذلك يحدث عقب فترة من استقرار المؤشرات الرئيسية مثل معدلات البطالة والنمو الاقتصادي ومؤشرات ثقة المستهلكين والمنتجين وغيرها لفترة من الزمن عند الحدود الدنيا، وهو ما يبشر بانتهاء الجزء الأسوأ في مرحلة الركود وهي قاع الكساد الاقتصادي.
أما الشكل الثالث فهو ما يأخذ شكل حرف W (Double V) حيث ترتد المؤشرات الاقتصادية والمالية لأعلى بسرعة في إشارة إلى التعافي السريع من الكساد غير أن جزءً كبيراً من التوقعات التي بُنِىَ على أساسها الارتفاع ـ خاصة في الأسواق المالية على اعتبار أنها تسبق تعافي الاقتصاد في العادة ـ لم يتحقق منها جزء كبير على أرض الواقع، ومن ثم تحدث انتكاسة كبيرة مرة أخرى سواء على مستوى المؤشرات الاقتصادية أو على مستوى الأسواق المالية، وهذه الانتكاسة تبلغ ذروتها بالوصول للقاع الذى وصلته المؤشرات سابقا والذى يحدث ارتداد منه لأعلى بشكل نهائي.
أما الشكل الرابع والأخير من أشكال التعافي الاقتصادي فيأخذ شكل حرف (L) والذي يعنى أن مرحلة التعافي قد تأتى بعد فترة زمنية طويلة جدا من ثبات المؤشرات الاقتصادية وكذلك مؤشرات الأسواق المالية، للدرجة التي لا يمكن معها التنبؤ بطول هذه الفترة..
وقبل ترجيح قابلية التحقق لأحد هذه الأشكال الأربع وفق الوضع الحالي، وما أحدثه – وما زال – فيروس كورونا بالاقتصاد العالمي، لابد من التمييز بين مفهومي الركود والكساد، فهل حقا يوجد فرق بينهما.
حقيقة الأمر أنه يوجد فرق، وفرق كبير، وعلى أساس هذه الفرق، يمكن توقع شكل التعافي؛ فالركود Recession هو تراجع كبير في النشاط الاقتصادي يستمر لعدة أشهر؛ أما الكساد Depression فهو أشد تأثيرا من الركود، بل هو كارثة اقتصادية قد تمتد آثارها لعدة سنوات، حيث ينخفض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة تتجاوز الـ 10%. ومن ثم سيترتب على بيان قوة الركود بتحولها إلى كساد من عدمه، شكل التعافي المحتمل.
وبالنظر إلى "أشكال التعافي الاقتصادية" والتي سيتحدد بناء على عاملين: الأول هو الوضع الذي ستؤول إليه الأمور بعد انتهاء الأزمة التي أحدثها "فيروس كورونا" إما بانحصار انتشاره تدريجيا، أو إيجاد اللقاح المناسب له. أما العامل الثاني، فهو درجة تفاعل الدول الكبرى والمؤثرة وعلى رأسها دول مجموعة العشرين G20 في إيجاد الخطط والبدائل التي تتماشى مع حجم التحدي القائم.
فالشكل الأول للتعافي (V) قد يكون مستبعدا لأغلب بلدان العالم، في ضوء تزامن الآثار الاقتصادية لكورونا مع ركود اقتصادي تأكد حدوثه في عدة بلدان وظهرت عدة مؤشرات تؤكده قبل ظهور الفيروس. فقد جاء الفيروس ليعجل فقط بتأكيد الدخول في مرحلة ركود اقتصادي في عدة بلدان خاصة في الولايات المتحدة، وعدة دول أوربية أخرى. وهو ما يعنى أن الأزمة التي أحدثها الفيروس لم تكن طارئة، وأن التعافي منها لن يكون سريعا.
أما الشكل الثالث (W) فيصعب توقعه في الوقت الراهن. على الأقل لحين حصر الخسائر التي سيحدثها الفيروس، وتتبع الإجراءات الحكومية المتخذة في عدة بلدان لاحتواء آثاره، وفى نفس الوقت معالجة حالة الركود التي بدأت في الظهور بقوة تدريجيا.
يتبقى لدينا شكلان للتعافي (U & L) والذي يتوقع أن يأخذ شكل التعافي أحدهما، فالتعافي على شكل حرف (U) وعلى الرغم من طول الفترة التي تقضيها المؤشرات الاقتصادية لحين التعافي، إلا أنها في الغالب لا تأخذ سنوات كثيرة ويكون بعدها التعافي قويا وصلبا.
أما التعافي الاقتصادي الذي قد يأتي على شكل حرف (L) فسيأتي بعد مرور سنوات عديدة لا يمكن التنبؤ بها، وغالبا يأتي بعد اندلاع حروب عالمية تُعيد تشكل المشهد السياسي والاقتصادي العالمي. فهذا الشكل من أشكال التعافي لم يتحقق إلا مرة واحدة عندما حدث الكساد الكبير سنة 1929م، والذي لم ينتهي فعليا إلا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945م، ليبدأ التعافي بعدها مع المشروع الاقتصادي لمارشال لإعادة تعمير أوروبا والذي أعلنه في منتصف عام 1947م، أي أن الكساد امتد لفترة طويلة جدا قاربت العشرين عاما.
وأرجوا أن تخيب ظنوني، وينتهي الأمر عند شكل التعافي (U) على أقصى تقدير، ولا ندخل في كساد يترتب عليه أن يكون التعافي على شكل حرف (L).
خاص_الفابيتا