هل حان وقت صناديق الثروة السيادية؟

26/03/2020 1
د. خالد رمضان عبد اللطيف

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الدور الذي يمكن أن تلعبه صناديق الثروة السيادية أو "الحصالات" في دعم اقتصادات الدول المتضررة من جائحة فيروس كورونا، خاصة وأن هناك سابقة ناجحة لتلك الصناديق خلال الأزمة المالية في عام 2008 عندما ضخت عشرات المليارات من الدولارات في رأس مال المصارف فأنقذتها من الإفلاس، وأبقت بالتالي على موظفيها، وبعدما أضحى الاقتصاد العالمي على شفا ركود وشيك، في ظل تعطيلات مباشرة لقطاعات اقتصادية هامة من السياحة إلى الخدمات والتنقل مرورا بقطاع الطيران وانتهاءً بتقلص نشاط التجارة والشركات والمصارف والاستثمار وانخفاض حاد في أسعار السلع الأولية.

في أوقات الأزمات الكبرى، عادة ما تركن الدول إلى أموالها الفائضة التي جمعتها في أزمنة الرخاء للاستعانة بها في الأوقات العصيبة، وقد راكمت الصناديق السيادية خلال السنوات الماضية مبالغ هائلة ساعدت على التعامل مع هذا النوع من الأزمات طويلة الأمد، ويبدو أن تفاقم عجز الميزانية سيؤدي بكثير من الدول إلى اللجوء لتلك الصناديق لتغطية العجز، علماً بأن الحكومات لا تعتمد فقط على تلك الصناديق وحدها في سد عجز الميزانية، بل تلجأ أيضا إلى استخدام احتياطاتها التقليدية من النقد الأجنبي، وإصدار أدوات الدين، وإجراءات التقشف وبينها خفض الإنفاق الحكومي.

بحسب آخر تقديرات معهد الصناديق السيادية، وهو معهد متخصص لدراسة استثمارات الصناديق الاستثمارية حول العالم ومقره الولايات المتحدة، فإن دول العالم تؤسس اليوم حوالي مائة صندوق سيادي، وتملك هذه الصناديق 8.1 تريليون دولار، ما يعني أن اجمالي الأصول المالية المتاحة للصناديق السيادية تتجاوز القيمة الاجمالية للأسهم الخاصة والأصول المتاحة لصناديق التحوط.

وفق صندوق النقد الدولي، فإن صافي الأصول المالية للدول الخليجية الست الغنية بموارد النفط والغاز تقدر بأكثر من 2.5 تريليون دولار، حيث تملك صناديق الثروة الخليجية حصصا كبرى في شركات بارزة داخل أوروبا والولايات المتحدة، مثل توتال الفرنسية للغاز والنفط، وفولكس فاجن أكبر منتج أوروبي ألصناعة السيارات، فضلا عن الاستثمار في الأسهم الخاصة وسندات الخزانة الأمريكية والبنية التحتية والتكنولوجيا الجديدة وقطاع العقار الأوروبي.

لا شك أن النمو المتواصل للصناديق السيادية، التي بدأت على استحياء في الخمسينيات والستينيات ثم زادت بعد ذلك، يعد تعبيراً صارخاً عن حالة الخوف المرتبطة بتكرار الاختلالات في الاقتصاد الدولي، ما يعني أن تلك الصناديق ظاهرة متواصلة ومتأصلة في النظام الاقتصادي، إلا أن تلك الظاهرة باتت الآن تتمتع باستقلالية ملحوظة عن تلك الاختلالات الاقتصادية، لدرجة أن البعض يعتقد بأن تراجع الاختلالات العالمية، واستعادة أسعار السلع والنفط للمتوسط السعري في الأجل الطويل، لا يعني تقلص أعداد أو أحجام الصناديق السيادية، التي ستواصل استثمار أصولها المالية الضخمة في الأسواق العالمية

أدى نمو الصناديق السيادية إلى جلب العديد من الفوائد خاصة في لحظات الاختلالات الاقتصادية الكبرى، وسمح في كثير من الأحيان بتنويع مصادر الدخل القومي عبر تنويع أنماط الاستثمار للأصول المالية، إلا أن تلك الإيجابية لا تنفي وجود مظاهر قلق حول الصعود السريع لتلك الصناديق، وما يمثله ذلك من تحدي للافتراضيات الأولية لكيفية عمل الاقتصاد الحر، لان تلك الصناديق تتحكم فيها الحكومات.

خلال العقدين الماضيين، أصبحت الصناديق السيادية أداة رئيسية لتحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي للدول المالكة لتلك الصناديق، وأبرز نموذج على ذلك، الصناديق السيادية الخليجية  وصندوق الثروة النرويجي الأكبر عالمياً، إذ عززت من قدرة الاقتصاد الكلي على إدارة الفوائض المالية الكبيرة، عبر تحويل الإيرادات الزائدة إلى قنوات استثمارية، وبالتالي خففت الضغوط التضخمية المحتملة في تلك الدول، وقد نجحت الصناديق السيادية الخليجية على سبيل المثال في حماية الاقتصاد الخليجي من ارتفاع أسعار صرف العملات المحلية، ومن تدهور القدرة التنافسية الخارجية للصادرات المحلية وزيادة الواردات، ومن خلال استثمار تدفقات رأس المال إلى الخارج حافظت الدول الخليجية على سعر صرف ثابت في مواجهة الهزات الكبرى خاصة عندما تتراجع أسعار النفط بشدة.

في المجمل، نجحت الصناديق السيادية في تعزيز القدرة الاستثمارية للدول، بحيث مثلت عوائد تلك الصناديق رافدا إضافيا من روافد الدخل القومي، وساهمت بشكل ملحوظ في رفع مستوى المعيشة، وتحقيق استقرار الاقتصاد الداخلي على الأمد الطويل، وتعزيز القدرة الاقتراضية للدولة مالكة الصندوق السيادي، اذ تمكنها من الاقتراض من الأسواق الدولية بأسعار فائدة منخفضة، اذ يعتبر المقرضون ضمانة موثوقة على قدرة الدولة المقترضة على السداد.

خاص_الفابيتا