لا يا سيادة الرئيس ترمب، ما زلنا بحاجة إلى نفط الشرق الأوسط

12/01/2020 0
جيسون بوردوف
لا يا سيادة الرئيس ترمب، الولايات المتحدة لم تصل إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من الطاقة، ونحن ما زلنا بحاجة إلى نفط الشرق الأوسط
 
الاكتفاء الذاتي بسبب "ثورة" النفط الصخري قد يؤدي إلى سياسة متهورة.
 
في خطابه عن حالة الاتحاد في عام 2006 حذّر الرئيس جورج دبليو بوش من أن "أميركا مدمنة على النفط"، ودعا إلى خفض الواردات من الشرق الأوسط بشكل كبير. وقد عكست هذه التعليقات مخاوف قائمة منذ أمد طويل: لعقودٍ من الزمن، كان الاعتماد على نفط الشرق الأوسط سببًا في تقييد خيارات السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة وتطلب ذلك موارد لضمان تدفقه الحر. ويعارض ذلك تصريحات الرئيس ترمب يوم الثلاثاء، وهو يناقش مسألة الهجمة الصاروخية الإيرانية على القواعد العسكرية العراقية التي تستضيف الجنود الأمريكيين ردًا على اغتيال الأمريكيين للواء قاسم سليماني. حيث أشار ترمب إلى أنه من المستبعد أن تُصعِد الولايات المتحدة الصراع الحالي، ولكنه أدان أيضًا النظام الإيراني، إذ قال: "نحن مستقلون، ولا نحتاج إلى نفط الشرق الأوسط". ومثل هذا الشعور بالاكتفاء، الذي لا يقتصر على ترمب، هو شعور خاطئ.
 
وبوسعنا أن نعزو هذا الشعور بالاكتفاء إلى ارتفاع إنتاج النفط المحلي على مدى العقد الماضي، مع توصل الشركات إلى كيفية استخراج النفط من التكوينات الصخرية بأقل التكاليف. ولكن على الرغم من أن الولايات المتحدة على أعتاب التحول إلى مصدرة نفط صافية، إلا أن هذا لا يعني أنها بمنأى تمامًا عن الصدمات التي قد يتعرض لها المعروض العالمي.  وقد يكتشف المستهلكون في الولايات المتحدة أنه على الرغم من أن ثورة النفط الصخري قد عززت من مكانة الولايات المتحدة اقتصاديًا وجغرافيًا، إلا أن الدولة بعيدة كل البعد عن الاستقلال في مجال الطاقة: فالشرق الأوسط يظل يشكل أهمية بالغة بالنسبة لأسواق النفط، وقد تتسبب الاضطرابات هناك [الشرق الأوسط] في إلحاق الضرر بالمستهلكين هنا.
 
وبينما تراجعت إيران والولايات المتحدة عن الوقوع في نزاع، إلا أنه لم يتضح بعد ما إذا كانت إيران قد انتهت من الانتقام لوفاة سليماني، وخاصةً أن ترمب يرفض أن ينهي العقوبات الاقتصادية. ومن بين الخيارات لتجنب إثارة رد عسكري أمريكي، يظل ضرب الأهداف المرتبطة بالطاقة جذابًا بشكل خاص. لكن الى يوم وفاة سليماني، إيران ظنّت أن بإمكانها تصعيد التوترات دون عواقب (لأن ترمب لم يرد على إسقاط طائرة أميركية مسيرة على سبيل المثال). ولكن الهجمات التي شنّها الوكلاء الإيرانيون في العراق والتي أسفرت عن وفاة متعاقد أمريكي أدت إلى زيادة التوتر، مما تسبب في تغيير الموقف. وقد قدّرت إيران بشكل منطقي أن ضرب أهداف الطاقة غير الأمريكية - كما فعلت في الماضي القريب - لن يتجاوز الخط الأحمر الأمريكي الضمني.
 
وتجدر الإشارة إلى أن منشآت إنتاج النفط في العراق، ثاني أكبر دولة منتجة في منظمة أوبك، تُشكل هدفًا رئيسيًا واحدًا - حيث تأمل طهران في تطرد بغداد القوات الأمريكية، وهي تهتم بالفعل بشأن مكانتها في ذلك البلد. ومن المستبعد أيضًا أن تستهدف إيران دولاً مثل عمان وقطر، إذا أن علاقاتها الدبلوماسية مع كلا الدولتين جيدة.
بيد أن ضرب محطات النفط وتعكير صفو سوق النفط يشكل وسيلة عنيفة: فهي لن تضر بالمستهلكين في الولايات المتحدة فحسب، بل وأيضًا بمستوردي النفط الآخرين، مثل أوروبا والصين، اللذان لا تفضل إيران ابتعادهُما. وفي الواقع، سيؤثر "سلاح" النفط الآن على هذه الدول أكثر من تأثيره على الولايات المتحدة.
 
ففي عام 2006 استوردت الولايات المتحدة 60% من نفطها. ويعني الارتفاع في إنتاج النفط الناجم عن ثورة النفط الصخري أن الولايات المتحدة لم تعد تستورد أي نفط على الإطلاق بصورة صافية (رغم أنها لا تزال تستورد الكثير، بما في ذلك من الشرق الأوسط).
 
إن طفرة النفط الصخري تُقلل من آثار اضطرابات إمدادات النفط العالمية على الولايات المتحدة بثلاث طرق. أولاً، يمكن أن تُفيد أسعار النفط المرتفعة بعض الولايات (مثل تكساس وداكوتا الشمالية وأوكلاهوما) والشركات والعمال، معوضه عن ارتفاع الأسعار للمستهلكين (لا سيما في محطات الوقود).
 
ثانياً، ساعدت الزيادة الهائلة في الإنتاج الأمريكي، على الأقل في الوقت الحالي، على تعزيز المخزون العالمي، بحيث يمكن للسوق ككل التعامل بشكل أفضل مع صدمات المعروض. وفي الواقع، أجبرت زيادة المعروض في الولايات المتحدة منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) على خفض الإنتاج، الأمر الذي أدى إلى زيادة سعة التخزين الاحتياطي. ثالثًا، على عكس عمليات الحفر التقليدية، يمكن زيادة إنتاج النفط الصخري صعودًا وهبوطًا بشكل سريع نسبيًا للاستجابة للأسعار المرتفعة الناتجة عن أزمات العرض. والأكثر من ذلك، أن توقعات السوق التي تشير إلى إمكانية زيادة العرض تخلق حوافز (من خلال الأسعار الآجلة) لسحب النفط من التخزين للمستهلكين اليوم.
 
ومع ذلك، لا تزال الولايات المتحدة بعيدة كل البعد عن الاستقلال في الطاقة. ولا يزال سوق النفط عالميًا، مما يعني أن السعر الذي يدفعه الأمريكيون مقابل الوقود لا يزال محددًا بواسطة أسعار النفط العالمية وهو عرضةً لحدوث انقطاع في الإمدادات، أينما تحدث.
 
إن منتجي النفط الصخري أكثر سرعةً من منتجي النفط التقليديين - لكن ليس بشكل مطلق. فمن ناحية، يستغرق الأمر من 6 إلى 12 شهرًا لزيادة إمدادات النفط الصخري. وهناك قيود في المعدات والأفراد والبنية التحتية لخطوط الأنابيب التي تحد من كمية النفط الإضافية التي يمكن استخراجها. واستجابةً لاضطرابات الإمداد العالمية بالنفط، لا تزال الأسعار في ارتفاع، وما زال سائقي السيارات في الولايات المتحدة يشعرون ببعض الألم من ذلك الارتفاع. (علاوةً على ذلك، من المرجح أن تنخفض استجابة إمدادات النفط الصخري لتغيرات الأسعار بمرور الوقت. وأحد الأسباب هو أن الصناعة تتعزز: الشركات الأكبر حجمًا التي لديها ميزانيات عمومية أقوى وتكون قادرة بشكل أفضل على التغلب على دورات الازدهار والكساد. ولذا فهي أقل احتمالًا لإيقاف أجهزة الحفر والعمال، ثم إعادة تنشيطهم، في كل مرة تتغير فيها الأسعار.) ولهذا السبب فإن أفضل ما يمكن لصانعي السياسة في الولايات المتحدة فعله لحماية المستهلكين (ناهيك عن المناخ) هو تقليل كمية النفط التي نستخدمها في المقام الأول.
 
وحتى إذا كانت الولايات المتحدة أقل تأثرًا بصدمات المعروض من ذي قبل، فإن السياسيين ما زالوا قلقين بشدة بشأن غضب الناخبين من ارتفاع أسعار الوقود - حتى في أجزاء من البلاد التي قد تستفيد عمومًا من ارتفاع أسعار النفط. وهذه حقيقة سياسية يمكن أن تستغلها إيران في عام الانتخابات الرئاسية. وفي الواقع، لقد اشتكى ترمب عدة مرات من ارتفاع أسعار البنزين، وعادةً ما يلقي باللوم على منظمة أوبك.
 
هذا ولا يمكن للولايات المتحدة إلا فعل القليل لحماية المستهلكين من انقطاع الإمدادات اليوم، لأن الكونغرس يستخدم مخزونات النفط الاستراتيجية في البلاد - التي تم إنشاؤها للمساعدة في سد النقص خلال أزمات الإمداد - مثل جهاز الصراف الآلي، يبيعها لتغطية تكاليف أولوياتٍ أخرى.
 
لقد حولت ثورة النفط الصخري أمريكا إلى قوةٍ عظمى في مجال الطاقة، لكن هذا لا يعني - خلافًا لما أكده ترمب - أن نفط الشرق الأوسط لم يعد مهمًا للولايات المتحدة. وإذا تصاعد الصراع بين الولايات المتحدة وإيران إلى ضرباتٍ على منشآت الطاقة، فستتجدد مخاوف أمن الطاقة، وسيتحمل سائقو السيارات وطأة الأسعار المرتفعة.

نقلا عن واشنطن بوست