في أحدث تقرير لها عن أسواق النفط العالمية خفضت وكالة الطاقة الدولية توقعاتها للطلب على البنزين ووقود الطائرات لبقية العام. وفي خبر غير ذي صلة على ما يبدو قالت شركة فيليبس 66 إنها تحول مصفاتها في سان فرانسيسكو إلى مصنع للوقود الحيوي. وفي خبر منفصل أيضا، قالت شركة شل إنها ستغلق مصفاتها في الفلبين بشكل دائم. تبدو هذه الأحداث للوهلة الأولى غير مترابطة، لكن إذا أمعنا النظر أكثر يظهر أنهم يشيرون إلى صناعة متغيرة. لقد كانت شركات التكرير من بين قطاعات صناعة النفط والغاز الأكثر تضررا في هذه الأزمة. عادة ما تجني المصافي أرباحها من فرق السعر بين النفط الخام ومشتقات النفط، وهذه المرة يمكن لمصافي التكرير الاعتماد على الطلب المستقر المعتاد على المشتقات النفطية. لقد أدت جائحة كورونا إلى خفض الطلب على المنتجات النفطية، وبالتالي خفض هوامش أرباح المصافي. الآن أكثر من أي وقت مضى، تحتاج المصافي إلى التأقلم من أجل البقاء.
الاندماج والإغلاق: كان هذا ما توقعه المحللون أن يحدث في صناعة التكرير نتيجة للوباء. إنه يحدث بالفعل. إلى جانب شركة شل، قالت شركة ماراثون بتروليوم في وقت سابق من هذا الشهر، إنها ستوقف عن العمل بشكل دائم مصفاتين بطاقة إجمالية تزيد على 180 ألف برميل يوميا من النفط الخام. من المرجح أن يتبع مزيد رغم الانتعاش القوي في الطلب على البنزين في مناطق كثيرة من العالم، فإن الطلب على وقود الطائرات لم ينتعش بعد. هذا يعني أن الأرباح المرتبطة بمبيعات وقود الطائرات لن تكون موجودة لمدة عام أو عامين آخرين أو ربما أكثر.
في هذا السياق فإن خطة شركة فيليبس 66 لإغلاق مصفاة Santa Maria الخاصة بها وتحويل مصفاة أخرى إلى أكبر مصنع وقود حيوي متجدد في العالم، على حد قولها تبدو منطقية جدا، ولا سيما عندما نضيف إلى المعادلة معايير وقود أكثر صرامة بشكل متزايد، ولا سيما في ولاية كاليفورنيا. حيث تخطط الولاية إلى خفض انبعاثات الكربون من قطاع النقل بنسبة 20 في المائة على مدى 20 عاما من 2010 و2030. يوفر هذا حافزا قويا للمصافي على التحول إلى الوقود الحيوي وهذا الحافز ضروري لمثل هذا التحول. على مستوى الولايات المتحدة ككل، يشكل وقود الديزل المتجدد وهو وقود يتم إنتاجه من زيوت النفايات المختلفة نحو 1 في المائة فقط من إجمالي مبيعات الديزل. ومع ذلك يبدو أن كاليفورنيا ستكون سوقا مربحة لها حيث يمتلك عدد من الشركات خططا لإنتاج وقود الديزل المتجدد من بعض مصافيها.
لكن كاليفورنيا هي مجرد سوق واحدة، وقد يقول البعض إنها ليست كافية لدفع التحول في صناعة بأكملها. لكن بلا شك أنها سوق متنامية للديزل الحيوي. لقد وقعت شركة أكسون موبيل أخيرا عقدا لتوريد وقود ديزل متجدد مع الشركة العالمية للطاقة النظيفة Global Clean Energy Holdings الذي بموجبه ستشتري الشركة 2.5 مليون برميل من الديزل المتجدد سنويا بدءا من عام 2022 لبيعها في سوق كاليفورنيا والأسواق الأخرى أيضا. قد تكون كاليفورنيا سوقا واحدة، لكنها تصادف أنها أكبر سوق في العالم للديزل المتجدد. وهي تقدم إعانات سخية لمنتجي الديزل الحيوي.
تشير هذه التطورات إلى أن التأثير غير المسبوق لجائحة كورونا في صناعة النفط والغاز ككل قد جعل اللاعبين في القطاع حذرين من مزيد من المفاجآت السيئة وسريعين في اغتنام الفرص عندما تتوافر. على الأقل الوباء جعل البعض منهم حذرين ومستعدين للتصرف عاجلا وليس آجلا. رغم أن كثيرين يعتقدون أن الأسوأ قد انتهى الآن، إلا أن جميع الجهات التي تنشر توقعات بشأن العرض والطلب على النفط والغاز تحذر من استمرار عدم اليقين في الأسواق وأن المستقبل غير واضح المعالم. بعض الشركات ستتأقلم وتستمر في السوق، لكن كثير لن يفعل.
إذن، إلى جانب مصانع الوقود الحيوي، كيف يمكن أن تبدو صناعة التكرير في المستقبل بعد الوباء؟ في هذا الجانب يقول تقرير صدر عن "وود ماكنزي" في وقت سابق من هذا العام ستكون منشآت التكرير في المستقبل معقدة مع تحول قوي نحو البتروكيماويات. هذا في الواقع استمرار للاتجاه الحالي: مع توقع انخفاض الطلب على النفط الخام كوقود تحت ضغط من المركبات الكهربائية وأنواع الوقود البديلة الأخرى، يتوقع كثيرون أن تصبح صناعة البتروكيماويات في مرحلة ما مصدر الربح الرئيس لمصافي التكرير.
قد لا يكون هذا التحول في الأفق بعد، حيث إن مبيعات السيارات الكهربائية ما زالت تمثل جزءا صغيرا فقط من إجمالي مبيعات السيارات، لكن الصناعة تستعد لهذا التحول مع تكثيف الحكومات لجهودها لخفض الانبعاثات. هذه الأنماط المتغيرة للطلب على الوقود، وكذلك الوباء، أحدثت فائضا في طاقات التكرير. هذا الفائض إما أن يتم إيقافه أو إعادة استخدامه. يبدو أنه لا يوجد خيار ثالث، وهو الانتعاش القوي في الطلب على النفط والنمو القوي في هذا الطلب في المستقبل. ضرورة تكيف وبقاء صناعة التكرير تستدعي إما التحول أو إيقاف الطاقات الفائضة. بالطبع، سيستمر الطلب على المنتجات النفطية بما في ذلك البنزين والديزل لفترة طويلة مقبلة. يمكن أن يبدأ الطلب في النمو من مستويات ما قبل الجائحة في مرحلة ما، اعتمادا على كيفية تعامل العالم مع الفيروس.
نقلا عن الاقتصادية