أسواق النفط والجولة الثانية من التقلبات

22/10/2020 0
د. نعمت أبو الصوف

تمر أسواق النفط العالمية بجولة ثانية من التقلبات بسبب المخاوف من الموجة الثانية من الوباء. لقد تراجعت أسعار النفط في وقت مبكر من يوم الجمعة الماضي وكانت في طريقها لتحقيق أداء أسبوعي ثابت، حيث استمرت حالات الإصابة الجديدة بفيروس كورونا في أوروبا والولايات المتحدة في الارتفاع، ما حذر السوق من أن تعافي الطلب على النفط سيتعثر. لكن رغم انخفاض الأسعار في يوم الجمعة، إلا أن خام غرب تكساس الوسيط وخام برنت أنهيا الأسبوع بارتفاع طفيف عند 40.88 و42.93 دولار للبرميل، على التوالي. لقد أثر الدولار الأمريكي القوي في أسعار النفط يوم الجمعة الماضي، حيث جعل شراء النفط أكثر تكلفة بالنسبة لحاملي العملات الأخرى.

التقارير الواردة من صندوق النقد الدولي، وكالة الطاقة الدولية ومنظمة أوبك تركزت جميعها على الموضوع نفسه. لقد اتخذت مجموعة "أوبك +" والحكومات الخطوات المناسبة في بداية الوباء لتحقيق الاستقرار في الأسعار، لكن لا يزال يتعين عليها القيام بمزيد لنقل الاقتصاد العالمي إلى المستوى التالي. علاوة على ذلك، سيتعين على الحكومات السيطرة على الوباء أو قد يواجه قطاع الطاقة مزيدا من التداعيات.

في أحدث تقرير لها عن أسواق النفط، قالت وكالة الطاقة الدولية، إن أسواق النفط قد استقرت حيث تراجعت مخزونات النفط بمعدل 0.9 مليون برميل يوميا في الربع الثالث، لكن التوقعات لا تزال هشة. وأضافت الوكالة أن ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا في أجزاء كثيرة من العالم، يثير بالتأكيد الشكوك حول قوة الانتعاش الاقتصادي المتوقع وبالتالي احتمالات نمو الطلب على النفط.

في الواقع، ارتفع الطلب العالمي على النفط بشكل سريع بين نيسان (أبريل) وتموز (يوليو)، حيث ارتفع بمقدار 14.7 مليون برميل في اليوم من أدنى مستوى. ومع ذلك بدءا من تموز (يوليو)، لا يزال الطلب منخفضا بنسبة 8.2 مليون برميل يوميا عن مستوياته قبل عام. تشير البيانات الأولية إلى أن الطلب زاد في آب (أغسطس) وقليلا في أيلول (سبتمبر)، ومع ذلك تظهر بيانات التنقل أن نهاية العطلة الصيفية وارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا في عديد من الدول قد أدى أخيرا إلى انخفاض الطلب على النفط.

يبدو أن الخبراء جميعا متفقون على أن التحفيز المالي والنقدي الذي تم طرحه على الاقتصاد العالمي في نيسان (أبريل)، أعطى أملا غامضا في حدوث انتعاش سريع. لكن يبدو الآن أن العالم سيحتاج إلى مزيد من التحفيز أو قد يتراجع الاقتصاد العالمي خطوتين إلى الوراء، ما يضع مزيدا من الضغوط على أسعار النفط.

لقد أعادت الدول الأوروبية إحياء حظر التجول والإغلاق وسط تزايد حالات الإصابة الجديدة بفيروس كورونا، ما أدى إلى تنبؤات بمزيد من انهيار الطلب في أسواق الطاقة. سجلت فرنسا أكثر من 30 ألف حالة إيجابية يوم الخميس الماضي. كما أبلغ عديد من الدول في أوروبا عن حالات أعلى بكثير من الأرقام التي شهدتها خلال الموجة الأولى. أيضا، يوم الخميس الماضي، أبلغت الولايات المتحدة عن أكثر من 60 ألف حالة لأول مرة منذ أكثر من شهرين. تستعد الهند التي تسير على الطريق لتجاوز الولايات المتحدة بأكبر عدد من الإصابات بفيروس كورونا في العالم، لموجة جديدة من الحالات في الأسابيع المقبلة مع اقترابها من موسم العطلات الرئيس. وبحسب "رويترز" فإن البلاد هي ثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم.

بالفعل، تراجعت أسعار النفط نهاية الأسبوع الماضي بسبب المخاوف من زيادة العرض وسط توقف تعافي الطلب، حيث أعاد عديد من الدول، خاصة في أوروبا، فرض بعض القيود للحد من انتشار فيروس كورونا، وحيث إن عديدا من الاقتصادات الكبرى من المملكة المتحدة إلى ألمانيا وفرنسا وإيطاليا تواجه موجة ثانية من الوباء.

من جهة أخرى، عاد مزيد من إمدادات النفط في بداية الأسبوع الماضي بعد انتهاء الإضراب النفطي في النرويج، بدأ إنتاج النفط مرة أخرى في خليج المكسيك في أعقاب إعصار دلتا، وأعادت ليبيا تشغيل أكبر حقل نفطي لها، وهو حقل الشرارة. في الوقت الحالي، يقال: إن ليبيا تنتج نحو 500 ألف برميل يوميا، حيث وصل إنتاج النفط من حقل الشرارة إلى 110 آلاف برميل يوميا في أقل من أسبوع بعد استئنافه. حتى مجموعة "أوبك +" تراقب من كثب زيادة الإمدادات من ليبيا المعفاة من تخفيضات الإنتاج، ويمكن أن تعرقل جهود التحالف لدعم أسعار النفط وخطط تخفيف التخفيضات الحالية بمقدار مليوني برميل أخرى بحلول كانون الثاني (يناير) 2021.

تأتي زيادة العرض هذه في لحظة صعبة للطلب العالمي على النفط، حيث تجاوزت حالات الإصابة الجديدة بفيروس كورونا في الولايات المتحدة 60 ألف حالة في اليوم لأول مرة منذ شهرين، كما أسلفنا، في حين فرضت المملكة المتحدة، فرنسا، إيرلندا وألمانيا قيودا أكثر صرامة، بما في ذلك حظر التجول في بعض المناطق. بالفعل أدى الارتفاع المفاجئ في حالات الإصابة بفيروس كورونا في عديد من الاقتصادات المتقدمة الرئيسة المستهلكة للنفط إلى إحياء المخاوف من أن تعافي الطلب على النفط قد انحرف مرة أخرى عن المسار الصحيح، ولا يزال توازن السوق بعيدا.

في غضون ذلك، قال محمد باركيندو الأمين العام لمنظمة أوبك أن مجموعة "أوبك +" لن تسمح لأسعار النفط بالانهيار مرة أخرى. وأضاف الأمين العام للمنظمة: "أريد أن أؤكد لكم أن تحالف "أوبك +" سيستمر في عمل ما يعرفه بشكل أفضل من خلال ضمان عدم تكرار هذا الانهيار التاريخي الذي شهدناه".

 

نقلا عن الاقتصادية